shababik magazine

تحقيق: رضوى صبحي – فاطمة خالد

زواج القاصرات يعد من الجرائم الاجتماعية التي لا تسقط بالتقادم، حيث تتعرض الزوجة القاصر لأشكال عديدة من العنف الأسري، كما تقع تحت الضغط النفسي والعصبي الذي يولد الانفجار والقهر، وتتعدد الأسباب لكن الجريمة واحدة حيث يمكن أن يكون السبب فقر الأسرة التي تضطر لتزويج بناتها في سن مبكر للتخلص من عبء الإنفاق عليهن، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا كثيرة لعل أبسطها: هل تستطيع الزوجة القاصر أن تعتني بالأطفال؟ الجواب لا بالتأكيد، لأنها هي التي تريد من يعتني بها، فهي لا تزال طفلة، وهل تستطيع تلبية احتياجات زوجها ومنزلها؟ الإجابة أيضا لا. وهل سيكون زواجها ناجحاً؟ الجواب للأسف لا.. وربما ستكون سعيدة في يوم زفافها وهي فرحة الفستان الأبيض والطرحة ولكن بعد أيام ستكتشف أنها تعرضت للخديعة الكبرى من زوجها الذي وعدها بالراحة والاطمئنان ولكن فجأة ستكتشف الحقيقة المرة.. هذا ما يكشف عنه بالتفصيل التحقيق التالي.

إحصائيات ومعدلات

في البداية، شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات زواج القاصرات في مصر، حيث كشفت تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن أن نسبة زواج الفتيات في الفئة العمرية “15-17 سنة” بلغت 2.1% عام 2021، بالمقارنة بعام 2014 حيث بلغت النسبة لنفس الفئة 6.3%، ويعود هذا التراجع لانتشار الوعي بخطورة هذه الظاهرة، ورغم ذلك لا تزال مستمرة.

وإجمالا بلغ عدد الفتيات طبقاً لتقديرات السكان في يوليو عام 2023، بالفئة العمرية “6 -17 سنة” في مصر 13 مليون نسمة تقريبا بنسبة 12.5% من إجمالي السكان، مقابل 14 مليون فتى بنسبة 13.3% من إجمالي السكان المقدر بـ105 مليون نسمة في يوليو عام 2023.

وأشار جهاز الإحصاء إلى مبادرات الدولة لدعم الفتاه المصرية، والتي أطلقتها الحكومة المصرية بالتعاون مع الأمم المتحدة في مصر، والتي تسعى إلى تمكين الفتيات أقل من 18 سنة وبناء مهاراتهن وقدراتهن التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، ومن هذه المبادرات مبادرتا “دوّي” و”نوره”، حيث يرتبط البرنامجان (دوّي) و(نوره) ارتباطا كبيراً ببرنامجي “تنمية الأسرة المصرية وحياة كريمة”.

ويُعتبر زواج القاصرات من العادات القديمة في الأرياف والمناطق الشعبية، والضحية في هذا الزواج المبكر هي الفتاة القاصر التي لم تبلغ السن القانوني والتي لا تزال غير قادرة على اتخاذ أي قرار يخص حياتها.

وتشير العديد من التقارير والإحصائيات إلى أن هذه الظاهرة تنتشر أكثر في المناطق الريفية أو غير الحضرية،حيث تشتهر بعض القرى والمناطق في مصر بزواج القاصرات، أبرزها محافظات الجيزة والشرقية، إلا أن الظاهرة أكثر انتشارا في بعض القرى بمحافظة القليوبية حيث تتركز، وفقاً لتقارير صحفية عديدة، في قرى “عرب الرواشدة” و”عرب الصوالحة” و”طحا”.. ففي عرب الرواشدة، يُعتبر الجهل والفقر والرغبة في جمع المال هي أهم أسباب زواج البنات الصغيرات في القرية من أثرياء عرب أو من بعض كبار السن الذي يأتون للزواج من الفتيات البكر، ويتم التعامل مع البنت باعتبارها سلعة يشتريها القادر على دفع أكبر مبلغ ممكن، وقد يصل المهر إلى 300 ألف جنيه، وهناك سمسار يقوم بتسهيل التعارف بين الشخص الراغب في الزواج ووالد الفتاة وتبدأ المساومات والمزايدات حتى يسقط هذا الأب ضحية إغراء المال، وقد يصل الفارق العمري بين الفتاة والرجل الذي تزوجها إلى ما يزيد عن 50 عاما، وعادة ما يستمر الزواج عدة أشهر فقط.

الإطار القانوني

لكن ما هو الإطار القانوني الذي يمنع زواج القاصرات؟ وهل هناك حاجة إلى تجديد القوانين؟.. يجيب عن هذه الأسئلة المحامي والباحث الحقوقي عبدالرازق مصطفى، حيث يقول: الزواج المبكر في مصر يمثل أزمة حقيقية، حيث لا يزال منتشراً في العديد من المحافظات، خاصة في المناطق الريفية، رغم أن القانون المصري يمنع توثيق الزواج لمن هم دون 18 عامًا. لكن المشكلة الكبرى تكمن في أن القانون لم يجرّم الزواج نفسه، بل فقط منع توثيقه، مما يسمح باستمرار الظاهرة من خلال التحايل عبر الزواج العرفي، الذي يتم توثيقه لاحقًا بمجرد بلوغ الفتاة السن القانوني، وغالبًا ما يتم ذلك باستخدام إيصالات أمانة لضمان عدم تراجع الزوج عن الاعتراف بالزواج. هذه الثغرة القانونية تسمح بزواج الأطفال دون أي حماية قانونية حقيقية. القانون المصري يتعامل مع هذه القضية من خلال المادة 227 من قانون العقوبات، التي تعاقب بالحبس لمدة تصل إلى سنتين أو بغرامة لا تزيد على 300 جنيه على كل من يدلي بمعلومات غير صحيحة أمام السلطات المختصة لتوثيق الزواج، خاصة إذا كان أحد الطرفين لم يبلغ السن القانونية. لكن هذه العقوبة لا تعكس خطورة الجريمة، ولا تمنع استمرار الظاهرة، خصوصًا في ظل غياب رقابة صارمة على هذه الممارسات.

إتجار بالبشر

ويضيف عبدالرازق أنه في بعض الحالات، يتم اللجوء إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر (رقم 64 لسنة 2010)، لا سيما في حالات زواج الصفقة، وهو نوع من الزواج يتم فيه تزويج الفتيات القاصرات بمقابل مادي، سواء لمصريين أو لأشخاص من دول أخرى، خاصة من بعض الدول الخليجية. في هذا النوع من الزواج، يقوم الوسطاء أو السماسرة بلعب دور رئيسي، حيث يكون لديهم أماكن معروفة، مثل مكاتب أو مقاهٍ، يجلسون فيها لتنسيق هذه “الصفقات”، حيث يحصل السمسار على مبلغ مالي، وتأخذ الأسرة أيضًا جزءًا من المبلغ، في عملية أشبه بالإتجار بالبشر. هذا الشكل من الزواج منتشر في بعض المناطق الريفية، ورغم المحاولات القانونية لمكافحته، إلا أنه لا يزال مستمرًا تحت ستار العقود العرفية والاتفاقات غير الرسمية. إن الإطار القانوني الحالي يعاني من نقص كبير في التشريعات الحاسمة التي تجرّم الزواج المبكر بشكل قاطع، وليس فقط منع توثيقه. كما أن العقوبات الحالية غير رادعة بما يكفي، وهو ما يجعل الحاجة إلى تعديل القوانين أمرًا ضروريًا. الحل لا يكمن فقط في تغليظ العقوبات، بل أيضًا في نشر الوعي المجتمعي حول مخاطر الزواج المبكر، وتكثيف حملات التوعية، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا، مع ضمان تطبيق القوانين بصرامة لمنع التحايل عليها. لا بد من منظومة متكاملة تشمل العقوبات الرادعة، والتوعية، وتمكين الفتيات من التعليم والفرص الاقتصادية، حتى لا يُنظر إليهن كعبء اقتصادي يدفع الأسر إلى تزويجهن في سن صغيرة.

ضعف التشريعات

ويضيف عبدالرازق أنه بلا شك، هناك فجوة كبيرة في تطبيق القوانين المتعلقة بزواج القاصرات، وهذا يعود إلى عدة أسباب، أبرزها التعارض بين السلطة الدينية والتشريعات المدنية. فبينما يحاول القانون المدني وضع إطار واضح يمنع الزواج لمن هم دون 18 عامًا، لا تزال بعض الآراء الفقهية تفتح المجال لزواج الطفلة في سن 14 عامًا، وهو ما يخلق حالة من التضارب بين القوانين الوطنية والتفسيرات الدينية المختلفة. ورغم أن بعض علماء الأزهر أكدوا أن الزواج يجب أن يكون بعد بلوغ السن القانوني، إلا أن هناك تيارات أخرى تتبنى قراءات فقهية تسمح بزواج القاصرات، مما يضعف موقف القانون المدني، ويجعل بعض الأسر تلجأ إلى التحايل عبر الزواج العرفي، بانتظار التوثيق الرسمي عند بلوغ الفتاة 18 عامًا. هذا التعارض بين الرؤية الدينية والقانون المدني يعطل الجهود الرامية إلى حماية حقوق الطفل، ويجعل هناك مقاومة مجتمعية لأي محاولة لتجريم زواج الأطفال بشكل صريح.

ويؤكد المحامي والباحث الحقوقي أن الأزمة لا تتوقف عند الزواج المبكر نفسه، بل تمتد إلى التداعيات الكارثية التي تترتب عليه. فلدينا حالات لقاصرات في سن 14 عامًا أنجبن طفلين، دون أي إمكانية قانونية لتوثيق زواجهن أو تسجيل أطفالهن رسميًا. هؤلاء الأطفال يولدون بلا شهادات ميلاد، مما يحرمهم من الحقوق الأساسية مثل الرعاية الصحية والتطعيمات، بل ويجعلهم عرضة للاستغلال والتسول، أو حتى الإتجار بالبشر، حيث لا يوجد أي إثبات رسمي بوجودهم من الأساس. وهنا تكمن المشكلة الكبرى: كيف يمكن لطفلة أن تتحمل مسؤولية طفل آخر؟ كيف يمكن لها أن تكون وصية على طفلها في حال وفاة الأب أو الجد وهي نفسها لا تملك بطاقة رقم قومي، ولا تستطيع التعامل مع أي جهة رسمية؟ هذه الفجوة القانونية تضع الأطفال في دائرة من الحرمان والتهميش، وتجعلهم غير مرئيين في سجلات الدولة، مما يزيد من مخاطر تعرضهم للاستغلال في أبشع صوره. لهذا فإن القوانين الحالية تعاني من التشتت، حيث لا يوجد نص واضح وصريح يجرّم زواج الأطفال قبل 18 عامًا، بل تعتمد التشريعات على مواد متفرقة في قوانين متعددة لمحاولة سد هذه الثغرة. ولهذا، هناك حاجة ماسة لوضع مظلة قانونية شاملة تجرّم زواج القاصرات بوضوح، وتضمن حماية الأطفال الذين يولدون نتيجة لهذه الزيجات، حتى لا يجدوا أنفسهم بلا هوية قانونية أو حقوق أساسية، فيظلوا عرضة للضياع والاستغلال.

روشتة الوقاية

وحول تعزيز حقوق الأطفال وضمان حمايتهم من هذه الظواهر السلبية، يواصل عبدالرازق حديثه قائلاً: تعزيز حقوق الأطفال يبدأ أولًا بمعرفتهم بحقوقهم منذ الصغر، حيث يؤثر المستوى التعليمي بشكل مباشر على وعي الطفل، فيجعله أكثر إدراكًا لحقوقه وكيفية حمايتها، سواء من التحرش أو العنف. وتلعب التربية السليمة دورًا محوريًا في ذلك، يليها دور المؤسسات التعليمية مثل الحضانة والمدرسة والجامعة، حيث يتلقى الطفل المعلومات من المعلمين والمتخصصين. لكن المشكلة الأساسية أن العديد من الأطفال لا يعرفون حقوقهم، ليس فقط بسبب نقص الوعي لديهم، بل لأن الأسر نفسها تفتقر إلى المعرفة القانونية والتوعوية اللازمة. وهنا تأتي أهمية الأسرة، التي يجب أن تمتلك الحد الأدنى من الوعي القانوني والتربوي، تمامًا كما لو كانت تؤسس مشروعًا جديدًا، إذ لا يمكن إنجاب طفل دون تخطيط مسبق لحياته وضمان حقوقه. يبدأ تشكيل وعي الطفل داخل أسرته، ثم يتعزز من خلال البيئة التي يندمج فيها، سواء المدرسة أو الجامعة، حيث لا يزال بعض الطلاب دون سن 18 عامًا عند التحاقهم بها، مما يجعل دور المحيطين بهم أكثر أهمية. إلى جانب دور الأسرة، يأتي دور المجتمع المدني والإعلام في حماية حقوق الأطفال، حيث يجب أن تتضافر جهودهما لنقل المعرفة والتوعية من خلال مواد إعلامية مبسطة، مثل الأفلام الوثائقية والتوعوية، والتعاون مع وزارات مثل التربية والتعليم والتعليم العالي لنشر هذه الثقافة بين الأطفال والشباب.

اغتصاب البراءة

ومن جانبه، يقول د. وليد هندي، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية أن زواج القاصرات هو اغتصاب مقنن وانتهاك لبراءة الأطفال وحقهم في الاستمتاع بالحياة، وهو ظاهرة منتشرة جدا في مصر، أما عن أسباب زواج الأطفال فإن منها أسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية، فضلا عن خلط الدين بالأعراف والتقاليد، بحجة أن زواج البنت يقيها من الفاحشة وأن الإسلام لم يحدد سناً محدداً للزواج، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وعمرها 9 سنوات، وبالطبع هذا تفسير خاطيء وخلط بين المفاهيم.

ويشير هندي إلى أن هناك أضرار جسيمة للزواج المبكر بالنسبة للفتاة القاصر، ومن هذه الأضرار تراجع شعورها بذاتها وبقيمتها، فضلا عن انتهاك برائتها، وشعورها بتعرضها للاغتصاب من الزوج، وهذا قد يترتب عليه الانحراف السلوكي فيما بعد، وكذلك انفصالها وتسربها من التعليم ومن ثم ارتفاع نسبة الأمية وكذلك يترتب عليه الطلاق المبكر. وفي حالة وجود أطفال يحدث لهم تشرد كما ينتابها عدم تكيف عاطفي، لأن هذه الطفلة التي تزوجت كانت لا تزال تحتاج لمن يرعاها لا أن تكون هي مسئولة عن رعاية أحد لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة