shababik magazine

حوار: فهد كريم – فرح شوقي

العزوف عن الزواج والطلاق المبكر كلاهما وجهان لعملة واحدة. حيث أصبح الجيل الجديد من الشباب أكثر اضطرابا في اختياراته وفي حياته الاجتماعية، لهذا يفضل البعض عدم خوض تجربة الارتباط والبقاء “سنجل” خوفا مما تحمله الحياة الزوجية من صدامات متوقعة أو من مفاجآت قد لا تكون سارة، ومن منطلق أن لكل قضية اجتماعية أسباب وحلول، فقد أجرينا الحوار التالي مع الأستاذ الدكتور رفعت عبدالباسط، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان، لنعرف لماذا أصبح الشباب عازفين عن الزواج؟ ولماذا أصبح الطلاق المبكر أكثر شيوعاً بين المتزوجين حديثا؟ وكيف يمكن لعلم الاجتماع أن يقدم حلولاً لهذا المشكلات؟

في البداية.. لماذا أصبح الشباب عازفين عن الزواج في الوقت الحالي؟

في الحقيقة، مشكلة الزواج المبكر لم تعد قضية ملحّة في الوقت الحالي، لكن ما نراه بوضوح هو عزوف الشباب عن الزواج، تأخر سن الزواج، وانتشار حالات الطلاق السريع. اليوم نجد شابًا يبلغ من العمر 28 عامًا، يعمل في وظيفة جيدة، ومع ذلك لا يرغب في الزواج! والأمر ذاته ينطبق على الفتيات، حيث تجد فتاة تبلغ من العمر 25 أو 26 عامًا، تعمل في وظيفة محترمة، لكنها ترفض فكرة الزواج.

السبب الرئيسي وراء ذلك هو الوضع الاقتصادي الصعب، حيث أصبح التضخم المالي وارتفاع الأسعار عائقًا كبيرًا أمام الشباب. في الماضي، كان بإمكان الشخص تجهيز منزله بمبلغ 50 ألف جنيه، أما اليوم، فقد تصل التكلفة إلى ربع مليون جنيه على الأقل! بالإضافة إلى ذلك، هناك المغالاة في المهور التي أصبحت عبئًا كبيرًا، فمثلًا، كان سعر جرام الذهب في السابق 150 جنيهًا، أما الآن فقد تجاوز 5 آلاف جنيه!

كما أن هناك أسبابًا اجتماعية ونفسية تلعب دورًا كبيرًا في عزوف الشباب عن الزواج، حيث أصبحوا يشاهدون تجارب فاشلة من حولهم، وحالات طلاق تحدث بعد بضعة أشهر فقط من الزواج، فضلًا عن المشكلات العائلية والمبالغة في الطلبات، مما يجعلهم مترددين في اتخاذ هذه الخطوة. على سبيل المثال، أعرف شابًا تخرج من كلية الهندسة، كان مرتبطًا بزميلته منذ أيام الدراسة، واتفقا على الزواج بعد التخرج، وكانت أسرة الفتاة عائلة محترمة، لكن بعد عام واحد فقط من الزواج، نشأت خلافات بسيطة بينهما، وعندما ذهبت الفتاة إلى منزل أسرتها أثناء فترة الولادة، عاد الزوج إلى منزله ليجد أن الأثاث قد اختفى تمامًا!

أصبحت المسألة أكثر تعقيدًا من مجرد قرار بالزواج، فالشباب اليوم يخشون من خوض هذه التجربة، مما جعل العزوف عن الزواج مشكلة حقيقية في مجتمعنا الحالي.

ما العوامل المؤدية إلى تأخر سن الزواج وارتفاع معدلات الطلاق؟ وما أثر ذلك على حياة الأفراد والمجتمع خاصة على الأطفال؟

تأخر الزواج وزيادة معدلات الطلاق أصبحتا من أبرز الظواهر الاجتماعية المؤثرة في حياتنا. الأسباب الرئيسية لتأخر الزواج تشمل التكاليف المرتفعة للزواج، مثل المهور، الشبكة، والمصاريف المرتبطة بالاحتفالات. هذه التكاليف تجعل الشباب يشعرون بثقل الالتزامات، خاصة مع الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار، ما يدفعهم لتأجيل خطوة الزواج أو التفكير مرتين قبل اتخاذها.

من جهة أخرى، زادت معدلات الطلاق بشكل ملحوظ بسبب العديد من العوامل. بعضها يتعلق بعدم وجود تفاهم أو توافق بين الزوجين منذ البداية، حيث قد يتم الزواج لأسباب مادية أو اجتماعية دون النظر إلى مدى الانسجام الشخصي بين الطرفين. تدخل الأسر في قرارات الزواج، سواء بفرض أحد الأطراف أو بالضغط على الشباب للزواج مبكرًا، يؤدي في كثير من الأحيان إلى زيجات غير ناجحة تنتهي سريعًا.

الضغوط الاقتصادية هي أيضًا عامل رئيسي في زيادة الطلاق. كثيرًا ما تكون الحياة المعيشية أكثر تكلفة مما يتوقعه الزوجان، ما يؤدي إلى خلافات مستمرة حول الأمور المالية. ومع غياب التخطيط المالي الجيد أو التفاهم حول الأولويات، يصبح الانفصال حلاً سريعًا لتخفيف الضغط.

ما وضع الأطفال في هذه الأزمة؟

الأطفال أكثر من يعانون من تداعيات هذه الظواهر. الطلاق يؤثر بشكل كبير على استقرارهم النفسي والاجتماعي، خاصة في حال وجود صراعات حادة بين الوالدين. الأطفال غالبًا ما يعيشون مع الأم، وقد تمنع الأم الأب من رؤية أطفاله، ما يضطره للجوء إلى المحاكم للحصول على حق الرؤية. ومع ذلك، تتم لقاءات الرؤية أحيانًا في أماكن غير مناسبة مثل أقسام الشرطة أو مراكز الشباب، مما يضع الأطفال في مواقف غير مريحة وكأنهم في بيئة عقابية. هذه الأزمات تؤدي إلى تكوين جيل قد يعاني من انعدام الأمان النفسي وضعف الثقة بالأسرة كنظام اجتماعي. لذلك، من المهم تعزيز قيم التفاهم والتخطيط بين الأزواج، وتقليل التدخلات الخارجية، والبحث عن حلول مبتكرة لتخفيف أعباء الزواج والطلاق على المجتمع.

هل يختلف الطلاق بين الحضر والريف؟

نعم، الطلاق يختلف بين الحضر والريف بشكل واضح، وهذا الاختلاف يرجع إلى طبيعة كل مجتمع وثقافته وتقاليده التي تؤثر على قرارات الأفراد وسلوكياتهم. في الريف، مثلاً، الطلاق يعتبر خطوة كبيرة جداً، وغالباً ما يتم تأجيله أو تجنبه قدر الإمكان بسبب تدخل العائلات الكبيرة والقبائل التي لها دور قوي ومؤثر في الحياة الاجتماعية. العلاقات في الريف متشابكة جداً، فالأفراد مرتبطون بعلاقات زراعية واقتصادية ودينية وحتى اجتماعية، وكلها تعتمد على التفاهم والاستمرارية. لذلك، الطلاق في الريف لا يُنظر إليه كقرار شخصي فقط، بل كقرار له تأثير جماعي يمتد إلى العائلة والعشيرة وربما حتى المجتمع ككل. ونتيجة لذلك، الطلاق غالباً ما يكون الحل الأخير بعد محاولات كثيرة للتوفيق بين الزوجين. تدخل الكبار في العائلة، والوسطاء، ورجال الدين يُعتبر أمراً شائعاً جداً في محاولات الإصلاح.

أما في الحضر، الوضع مختلف تماماً. في المجتمعات الحضرية، الطلاق يُعتبر أكثر شيوعاً وأسرع في اتخاذ القرار. السبب الأساسي لهذا هو نمط الحياة السريع وطبيعة العلاقات الأسرية والاجتماعية التي تكون أقل ترابطاً مقارنة بالريف. في المدن، الأفراد يعتمدون بشكل أكبر على أنفسهم في اتخاذ القرارات، وتدخل العائلات أو المجتمع يكون محدوداً جداً. بالإضافة إلى ذلك، طبيعة العمل وضغوط الحياة في الحضر تخلق بيئة أقل صبراً، وهذا يسهم في ارتفاع معدلات الطلاق مقارنة بالريف.

وهنا يظهر دور علم الاجتماع بشكل كبير، لأنه يهتم بدراسة كل المجتمعات باختلاف طبيعتها، سواء كانت ريفية، حضرية، صناعية، أو بدوية.

كيف يسهم علم الاجتماع في دراسة وتحليل مثل هذه الظواهر الاجتماعية؟

علم الاجتماع لا يحلل الظاهرة فقط، لكنه ممكن يساعد في وضع سياسات تهدف إلى تقليل معدلات الطلاق. على سبيل المثال، ممكن يتم تصميم برامج توعية تأخذ في الاعتبار الاختلافات الثقافية بين الريف والحضر، وتركز على أهمية الحوار بين الزوجين، وتحسين مهارات حل النزاعات الأسرية. أيضاً علم الاجتماع يُشدد على أهمية فهم تأثير الثقافة المحلية على سلوك الأفراد. يعني مثلاً، في الحضر يرى الناس الطلاق خطوة عادية ليس فيها عيب اجتماعي كبير، أما في الريف فإن الطلاق يكون له أبعاد ثقافية واجتماعية أعقد. لذلك، السياسات الاجتماعية لازم تكون مخصصة لكل نوع من المجتمعات حتى تستجيب لاحتياجاتها وظروفها بشكل فعال.

في النهاية، سواء كان الطلاق في الحضر أو الريف، فهو نتيجة تفاعل معقد بين العوامل الاجتماعية، الثقافية، والاقتصادية، وفهم هذه الفروق ممكن يساعدنا في وضع حلول مستدامة تحافظ على استقرار الأسر في مختلف البيئات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة