إدمان الشباب للعقاقير المخدرة يؤدي لفقدان الذاكرة
تحقيق: علي خالد – عبدالرحمن رمضان
شهدت الأعوام الأخيرة زيادة كبيرة في تعاطي بعض أنواع من العقاقير الدوائية والتعامل معها كمواد مخدرة حيث تعطي مفعولا شبيها بالمخدرات التقليدية، وتشمل هذه العقاقير ما يسمى بـ”أدوية الجدول” وتضم أنواعا قوية من المسكنات والمهدئات، حيث تتسبب في تعرض الإنسان لما يُسمى “إضطراب استخدام المواد”، وهو مرض يؤثر على حالة المخ، وينعكس هذا التأثير على سلوك الشخص، وربما تتضاعف الأعراض بحيث يُصاب الإنسان بالعجز عن التحكم في استخدام هذه الأدوية، ليدخل في نفق مظلم.. ونلاحظ بشكل خاص زيادة عدد الشباب من مدمني هذه العقاقير بشكل خاص، لهذا قررنا أن ندق ناقوس الخطر للتعرف على حجم هذه الظاهرة وكيف يمكن حماية الشباب من مخاطرها؟
في البداية تتعدد أسباب تعاطي الشباب لهذه العقاقير، حيث يقول الدكتور مصطفى حمدي، صيدلي بمنطقة شبرا مصر: أنه من الأسباب الرئيسية لتناول الشباب للعقاقير المخدرة لجوء بعض الأطباء النفسيين لوصف عقاقير مهدئة أو مسكنة بنسبة أو بأخرى لفترات طويلة، مما يؤدي ذالك لتشبع الجسم بالمادة وعدم استجابته للدواء، ويبدأ الجسم في طلب نسبة أعلى من المهدئ وينتج عن ذلك عدم قدرة المريض علي ترك المهدئ ويبدأ يدخل في حالة أشبه بالإدمان. كما يصف أطباء العظام وأطباء المخ والأعصاب مسكنات قوية جدا مثل “الترامادول ” أو مادة “البريجابالين” كما يصف أطباء الباطنة مادة “البريجابالين – أو الجابابانتين ” لمرضى السكري.
ويضيف حمدي أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في غياب الوعي لدى بعض الصيادلة والذين قد يصفون هذه العقاقير وخاصة “البريجابالين أو الجابابنتين” بشكل مباشر دون مراجعة أو استشارة الأطباء. ومن الأسباب الأكثر جدلا في هذه الأيام كما أشار بعض الأطباء ودراسات علم الاجتماع هي بيع العقاقير المخدرة والمهدئة على السوشيال ميديا وخاصة فيس بوك والواتس آب، مما أدى إلى إقبال عدد كبير من الشباب لإدمان هذه العقاقير المهدئة والمسكنات القوية. وهناك العديد من العوامل الأخرى التي تسهم في تطوّر إدمان هذه المواد مثل إصابة الإنسان باضطرابات الصحة العقلية، وإصابته بالعصبية الزائدة فيلجأ للمهدئات ومع الوقت تتحول هذه الحالة لما يشبه الإدمان. ومن ضمن الأسباب أيضا لجوء بعض الشباب لهذه العقاقير بحثا عن حالة خاصة من “النشوة” والسعادة الوهمية أو هدوء الأعصاب أو مقاومة إجهاد العمل.
ويذكر طلبة أن تعاطي العقاقير المخدرة في عمر مبكر يمكنه أن يؤدي إلى تغيرات في تطور المخ ويزيد من التطورات المشابهة لإدمان المخدرات. وبعض العقاقير، مثل المحفزات، كالكوكايين أو مسكنات الألم الأفيونية، قد تتسبب في تطور سريع للإدمان أكثر من غيرها من العقاقير. كما أن التدخين أو حقن العقاقير يمكنه أن يزيد من القابلية للإدمان. وتناول العقاقير التي تعتبر منخفضة التأثير — المسماة “مخدرات خفيفة” — قد تضعك على بداية الطريق للإدمان. ويؤدي الاستعمال الدائم لهذه الأدوية إلى آثار خطيرة ومدمرة على المدى القصير والطويل. كما أن تناول بعض الأدوية قد ينطوي على خطورة وخاصةً في حالة تناول جرعات كبيرة أو الجمع بين الأدوية وبعضها أو بينها وبين الكحوليات. وفيما يلي بعض الأمثلة: يؤدي الميثامفيتامين والمخدرات الأفيونية والكوكايين إلى الإدمان البالغ ويمكن أن تؤدي إلى تبعات صحية سلبية على المدى القصير والطويل، بما يتضمن الذهان أو الغياب الكلي للإدراك السليم مما يعني تعرض الإنسان لحالة عصبية صعبة حيث يدخل في نوبات إكتئاب وصرع حادة وفقدان للذاكرة والتوتر العنيف أو الوفاة بسبب جرعة زائدة.
ويشير حمدي إلى أن طرق الوقاية من إدمان: العقاقير تتمثل في البعد عن تناول هذه العقاقير كليا طالما أنه لا يوجد سبب طبي قوي يؤدي لذلك. وإذا أمر الطبيب باستخدام عقاقير تؤدي إلى الإدمان يجب الحرص قبل تناولها، ويجب أن يوصى الأطباء هذه الأدوية بجرعات آمنة وأن يتابعوا استخدامها بحيث لا يصفونها بجرعات مفرطة، فضلا عن ضرورة التواصل الاجتماعي الحقيقي وتقوية العلاقة بين الآباء والأبناء، ومن أجل الوقاية من الانتكاسات يجب الالتزام بالخطة العلاجية واستشارة الطبيب المعالج قبل تكرار الدواء مرة أخرى.
ويقول محمد أسامة، استشاري اجتماعي وباحث في مجال الإدمان: تلعب العوامل البيئية والمجتمعية، مثل اعتقادات عائلتك وطريقة تصرفها واختلاطها بمجموعة تشجعها على تعاطي المخدرات، دورًا في تناول المخدرات لأول مرة. أيضا العوامل الوراثية لها دور كبير في إصابة الإنسان بالإدمان فبعد البدء في تعاطي مخدر ما، يمكن أن يتأثر تطوّر تعاطي هذا المخدر بعوامل وراثية (جينية) والتي تؤخر أو تسرع من تطور المرض. ويحدث الإدمان عندما يغير الاستخدام المتكرر لأحد المخدرات الطريقة التي يشعر بها دماغك بالبهجة. ويتسبب إدمان المخدرات في حدوث تغيرات فيزيائية في بعض الخلايا العصبية في الدماغ. وتستخدم هذه الخلايا موادًا كيميائية تسمى الناقلات العصبية للتواصل. ويمكن أن تظل هذه التغيرات لفترة طويلة بعد التوقف عن استخدام العقار.
ويشير محمد أسامة إلى أن الناس من أي فئة عمرية أو حالة اقتصادية يمكنهم أن يقعوا فريسة للإدمان. وأنا أعتقد أن إدمان العقاقير أكثر شيوعًا في عائلات بعينها وغالبًا ما يكون سببه استعداد جيني. إذا كان أحد أقربائك بالدم، مثل أحد الوالدين أو الأشقاء، مدمنً للكحول أو العقاقير، فأنت في خطر كبير للإصابة بإدمان هذه العقاقير. أيضا اضطرابات الصحة العقلية لها دور كبير، فإذا كنت تعاني من أحد اضطرابات الصحة العقلية مثل الاكتئاب، أو اضطراب نقص الانتباه أو فرط الحركة أو اضطراب ضغط ما بعد الصدمة، فمن الممكن أن تصبح مدمنًا لأحد العقاقير. واستخدام العقاقير قد يكون وسيلة للتأقلم مع المشاعر المؤلمة، مثل القلق، والاكتئاب والوحدة، ويمكنه زيادة حدة هذه المشاكل أيضا. ومن جانب آخر فقد يؤدي نقص الانخراط العائلي والمواقف العائلية الصعبة أو ضعف الروابط مع والديك وأشقائك إلى زيادة مخاطر الإدمان.
سألنا بعض الشباب حول أسباب تعاطيهم لهذه المواد المخدرة دون سبب طبي محدد، حيث يقول جمال. م (30 سنة)، أنه يتعاطى العقاقير مثل ” البريجابالين” كغيره من الشباب حتى يستطيع أن يتحمل عدد ساعات العمل الكثيرة والجهد الشاق، فضلا تسكين بعض الآلام، والتخفيف من حدة التوتر، وأشار جمال إلى أنه لم يكن يعلم بخطورة هذه العقاقير والذي يتعامل معها بوصفها مسكنات للآلام!