shababik magazine

حوار: عبدالرحمن رمضان – علي خالد

لا تزال ظاهرة عمالة الأطفال تمثل إحدى القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأكثر تعقيدًا، حيث تتشابك الظروف الاقتصادية القاسية مع غياب الوعي المجتمعي والتشريعات الفعالة، مما يجعل العديد من الأطفال في مواجهة مستقبل غير آمن. فبدلًا من أن يكون مكانهم الطبيعي في المدارس، يجدون أنفسهم في مواقع العمل، معرضين لمخاطر تهدد صحتهم وحقوقهم الأساسية. في هذا الحوار، نناقش مع المحامي والباحث الحقوقي عبدالرازق مصطفى عبدالرازق أبعاد الظاهرة، وأثرها على الأطفال والمجتمع، والجهود الممكنة لمكافحتها.

كيف تؤثر عمالة الأطفال على حقوقهم الأساسية، مثل التعليم والصحة؟

عندما نتحدث عن عمالة الأطفال، يجب أن نبدأ بالإشارة إلى اتفاقية حقوق الطفل الدولية وقانون الطفل المصري، فهما الإطار القانوني المنظم لعلاقة الطفل بالمجتمع المصري.

وفقًا للقانون، يُسمح بتدريب الأطفال بين سن 12 و14 سنة، على ألا تتجاوز ساعات التدريب 5 إلى 6 ساعات يوميًا، مع ساعة راحة. أما العمل المنظم، فيُسمح للأطفال من 14 إلى 18 سنة بالعمل بعقد رسمي، مع الاحتفاظ بنسخة منه في مكتب العمل. بالإضافة إلى ذلك، ينص قانون العمل على ضرورة نشر القوانين الخمسة المنظمة لعمالة الأطفال في أي مؤسسة تشغّلهم، بحيث تكون واضحة ومتاحة للجميع.

لكن المشكلة الأساسية التي نواجهها هي تشغيل الأطفال في أعمال خطرة، وهو ما يخالف القانون تمامًا، حيث يمنع تشغيل الأطفال في البيئات التي تشكل خطرًا على صحتهم أو مستقبلهم، مثل العمل في المحاجر، المصانع التي تستخدم آلات ثقيلة، الجرارات، أو الأعمال الصحراوية الشاقة.

للأسف، هناك أطفال يعملون في هذه المهن غير الرسمية لأسباب مختلفة، منها أن أجورهم اليومية منخفضة، مما يجعلهم مصدر عمالة رخيصة، وأيضًا لأنهم غير مؤمَّن عليهم وليس لديهم مصدر رزق آخر، خاصة في المناطق النائية. أصحاب هذه الأعمال يستغلون عدم وعي الأطفال بحقوقهم، وأحيانًا حتى أولياء أمورهم لا يعرفون أن القانون يحمي الطفل من هذا النوع من الاستغلال.

إلى جانب المخاطر الصحية والتعليمية، هناك بُعد آخر لعمالة الأطفال، وهو أنها قد تكون نتيجة للتفكك الأسري، حيث يُدفع الأطفال إلى سوق العمل عندما ينفصل الأبوان، ما يجعلهم عرضة للاستغلال وانتهاك حقوقهم الأساسية.

بالتالي، عمالة الأطفال لا تضر فقط بصحتهم وتعليمهم، بل تعكس أيضًا غياب الوعي بحقوقهم، ما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والانتهاكات القانونية.

هل تعتقد أن القوانين الحالية كافية لحماية الأطفال العاملين؟

القوانين الحالية تضع بعض القيود، لكنها غير كافية لحماية الأطفال بشكل كامل. لدينا فقط خمس مواد قانونية تنظم تشغيل الأطفال، لكنها لا تغطي جميع الأوضاع الخطرة التي يواجهونها. نحتاج إلى تشريعات أكثر تفصيلًا تحدد بوضوح الأعمال المسموح بها للأطفال، وتضمن حصولهم على تأمين صحي، وتفرض رقابة صارمة على أماكن العمل التي قد تستغلهم. كما يجب العمل على رفع وعي الأهالي بحقوق أطفالهم لضمان عدم تعرضهم للاستغلال.

ما الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني والحكومة في مواجهة هذه الظاهرة؟

المجتمع المدني له دور محوري في التوعية ونشر المعرفة بحقوق الطفل من خلال المدارس، والنقابات، والزيارات الميدانية. يجب أن تكون هناك حملات توعوية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، لتضمين مواد تعليمية مبسطة توضح للأطفال حقوقهم، ومتى يكون العمل مسموحًا به.

أما الحكومة، فمسؤوليتها تكمن في وضع سياسات صارمة ورقابة فعالة لمنع استغلال الأطفال في العمل، بالإضافة إلى تنسيق الجهود بين الوزارات المختلفة مثل التعليم، التضامن الاجتماعي، والعمل، لضمان حماية الأطفال وتأمين مستقبلهم.

كيف يمكن دعم الأسر التي تضطر إلى إرسال أطفالها للعمل بسبب الظروف الاقتصادية؟

لا يمكن إنكار أن الظروف الاقتصادية الحالية تؤثر على جميع المواطنين، خاصة في ظل التقلبات العالمية وتغيرات سعر الصرف. هذه الأوضاع تنعكس بشكل كبير على الأسر الأكثر فقرًا، ما يدفع بعضها إلى إشراك أطفالها في سوق العمل.

لمواجهة هذا التحدي، قدمت الحكومة بالفعل برامج مثل “تكافل وكرامة”، لكن لا تزال هناك عوائق تحول دون استفادة جميع المستحقين، خاصة في المناطق الفقيرة التي يفتقر سكانها إلى وسائل التقديم الإلكترونية. لذا، من الضروري إتاحة فرصة التقديم الورقي من خلال الوحدات المحلية والجهات المختصة، لضمان وصول الدعم النقدي إلى الأسر الأكثر احتياجًا بسهولة ودون تعقيدات.

إلى جانب ذلك، ينبغي إصدار استثناءات من وزارة التعليم لإعفاء الأطفال في هذه الأسر من المصاريف الدراسية، استنادًا إلى شهادات الفقر المتاحة. كما أن المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية يمكنها لعب دور محوري في توعية الأسر بحقوق أطفالها، وضمان حصولهم على فرص تعليمية وحياتية كريمة.

حتى يتم تفعيل منظومة الدعم الرقمي بشكل كامل بحلول 2030، لا بد من اتخاذ إجراءات مرنة وسريعة تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه دون معوقات، لأن الحد من الفقر يبدأ بتوفير حلول عملية تلامس احتياجات المواطنين الأكثر تضررًا.

هل لديك قصة أو حالة تعاملت معها توضح خطورة تشغيل الأطفال؟

بالطبع، إحدى الحالات التي تعاملت معها كانت لطفل انفصل والداه، وتزوج كل منهما بشريك جديد، ما أدى إلى إهماله تمامًا. انتهى به المطاف للعمل في مخبز، حيث استغله صاحب العمل لأنه لم يكن هناك من يسأل عنه. بعد ستة أشهر، أصيب الطفل في قدمه، وعندما أصبح غير قادر على العمل، قام صاحب المخبز بطرده للشارع دون علاج.

لحسن الحظ، تم العثور عليه من قبل أحد الأشخاص، الذي أبلغ الإسعاف، وتم نقله إلى المستشفى. لكن المشكلة الأكبر كانت عندما رفض والداه استلامه بعد العثور عليه، مما جعله في مأساة حقيقية.

هذه القصة ليست مجرد حالة فردية، بل تعكس واقعًا قاسيًا يعيشه الكثير من الأطفال بسبب تفكك الأسر والإهمال. المشكلة ليست فقط في استغلال الأطفال من قبل أصحاب العمل، بل تبدأ من الأسرة نفسها. قبل الزواج والإنجاب، يجب أن يسأل كل فرد نفسه: هل نحن مستعدون لتربية طفل؟ هل نستطيع تأمين حياة كريمة وتعليم ورعاية صحية له؟

غياب الوعي بهذه المسؤوليات يؤدي إلى ضياع الأطفال، ودفعهم إلى الشارع، حيث يكونون عرضة للاستغلال والانتهاك، أو ينتهي بهم الأمر كضحايا للأمراض والإجرام. الأطفال ليسوا مذنبين، بل هم ضحايا لقرارات الكبار. والمجتمع بأسره يدفع ثمن إهمالهم، لأن الطفل الذي لم يجد بيئة آمنة وسوية، لن يصبح يومًا ما مواطنًا صالحًا، بل قد يتحول إلى شخص يعاني من اضطرابات نفسية أو يقع في براثن الجريمة.

لذلك، حماية الأطفال تبدأ من الأسرة، والوعي بأن الإنجاب ليس مجرد خطوة تلقائية، بل مسؤولية ضخمة تتطلب استعدادًا حقيقيًا، وإلا فإن النتيجة ستكون مأساوية، كما حدث مع هذا الطفل الذي كاد أن يفقد حياته بسبب الإهمال والاستغلال.

ما هي الحلول التي يمكن اتخاذها للحد من عمالة الأطفال؟

للحد من عمالة الأطفال، لا يكفي فقط إصدار القوانين، بل لا بد من التركيز على التوعية والحوار المجتمعي. هذه المشكلة ليست مسؤولية جهة واحدة فقط، بل تحتاج إلى تكاتف جميع الأطراف، من الأسر والمدارس والجامعات إلى الوزارات والنقابات ومراكز الشباب ووسائل الإعلام. عندما يدرك كل فرد دوره، سواء كأب أو أم أو معلم، يمكننا خلق بيئة تحمي الأطفال وتوفر لهم بدائل أفضل.

المجتمع المدني والوزارات قد يقدمان حلولًا، لكنها وحدها لن تعالج المشكلة بالكامل، وربما تحل 20% منها فقط. لذا، فإن التأثير الأكبر يأتي من تغيير الثقافة المجتمعية عبر الإعلام والدراما والفنون. حملات قصيرة وبسيطة، مثل فيديو “للعلم” الذي يشارك فيه شخصيات مؤثرة، تترك أثرًا عميقًا رغم مدتها القصيرة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص واضح في المحتوى التثقيفي والترفيهي الموجه للأطفال داخل مصر. معظم القنوات التي يشاهدونها أجنبية، ما يضعف ارتباطهم بهويتهم وثقافتهم. لهذا، من الضروري إنتاج محتوى مصري يعكس قصصنا الملهمة وتاريخنا العريق، لأن الإعلام والثقافة هما المفتاح لترسيخ القيم وحماية الأجيال القادمة من الوقوع في دوائر الفقر والعمل المبكر.

الحد من عمالة الأطفال لن يتحقق إلا عندما تتضافر جهود جميع الجهات المعنية، ويصبح الحوار المجتمعي أداة فعالة لنشر الوعي وصنع التغيير الحقيقي.

أما عن تأثير الوعي القانوني داخل الأسر، فهو عامل أساسي في الحد من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال. للأسف، الكثير من العائلات تجهل القوانين الخاصة بحقوق الطفل، بل وحتى بعض المحامين لا يعرفون تفاصيلها. على سبيل المثال، قانون الرعاية البديلة، الذي يحمي الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية، لا يزال غير معروف لدى كثيرين، رغم أهميته البالغة في توفير حماية قانونية لهذه الفئة.

لذلك، لا بد من نشر الوعي القانوني بين الأسر، ليس فقط لحماية الأطفال، بل لضمان حصولهم على مواد معرفية مبسطة تعرّفهم بحقوقهم منذ الصغر. هناك بالفعل جهود من المجتمع المدني لإنتاج أفلام توعوية عن حماية الجسد وكيفية التصرف عند التعرض للعنف أو التحرش، وهذه الأدوات تلعب دورًا حاسمًا في تمكين الطفل من الدفاع عن نفسه وبناء شخصيته في بيئة آمنة وواعية.

الوعي القانوني والمعرفي داخل الأسرة هو الأساس الأول لبناء طفل قوي، قادر على فهم حقوقه وحماية نفسه من أي انتهاك.

ما الرسالة الأهم التي يجب توجيهها للمجتمع للحد من هذه الظواهر؟

لحماية الأطفال من الظواهر السلبية، يجب أن ندرك أولاً أهمية المظلة التشريعية، حيث يعتبر الدستور المصري، وخاصة المادة 80 المتعلقة بحقوق الطفل، حجر الأساس. هذه المادة هي الأطول في الدستور بسبب شموليتها لحقوق الطفل، ويتبعها الاتفاقيات الدولية وقانون الطفل.

لكن السؤال هنا: هل يدرك من يتعاملون مع الأطفال، سواء في الحضانات أو المدارس، حقوق الطفل وكيفية حمايته؟ على سبيل المثال، عندما نتلقى خدمة من تطبيق توصيل، يكون هناك سياسة حماية للعميل، فماذا عن الأطفال الذين يتلقون خدمات في المؤسسات التعليمية؟ يجب أن تكون هناك سياسة حماية واضحة للطرفين: مقدم الخدمة والطفل.

عند وقوع حادثة، مثل الطبيبة التي نشرت فيديو على السوشيال ميديا، نتساءل: هل مقدمو الخدمة واعون بأن البيئة غير الآمنة التي نشأ فيها الطفل قد تدفعه لارتكاب جريمة؟ قانون الطفل ينص بوضوح على أن كل من يعلم بحاجة الطفل للمساعدة يجب أن يقدمها بشكل ممنهج، بما في ذلك الإبلاغ عن أي جريمة تُرتكب ضد الطفل.

للحد من هذه الظواهر، يجب تعزيز التوعية المجتمعية، مع التركيز على دور الأسرة المصرية في تربية الطفل بشكل سليم. يجب أن تدرك الأسرة أن الطفل سيكون جزءًا من المجتمع، لذا فإن الحوار المفتوح بين الأسرة والطفل هو الأساس لتمكينه من مواجهة أي عنف أو جريمة قد يتعرض لها.

كما يجب توفير الحد الأدنى من المعلومات للأسرة حول حماية الطفل. فعلى سبيل المثال، في مبنى محكمة الطفل بالقاهرة، تقع محكمة الأسرة في الدور الأول، وفوقها محكمة الطفل. عند حدوث نزاع بين الأبوين، يتسرب الأطفال من الأسرة ليجدوا أنفسهم في محكمة الطفل عند ارتكابهم جريمة.

إذن، الرسالة الأهم هي: بناء بيئة قانونية وتوعوية تحمي الطفل قبل أن يصل إلى مرحلة الخطر، وذلك يبدأ من الأسرة ويمتد إلى المجتمع ككل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة