تحقيق: فرح أحمد – جودي شريف
التعافي من الإدمان بطولة استثنائية في حياة المدمنين، خاصة إذا علمنا أن قرار التوقف عن التعاطي وحده لا يكفي، حيث أنه من السهل أن يتعرض المدمن لانتكاسة حادة ويعود مرة أخرى للمربع صفر.. في هذه الحالة يصبح كالغريق الذي يبحث عن طوق نجاة، عند هذه النقطة يبدأ دور أبطال الظل الذين يأخذون بيد المتعاطين لبر النجاة.. في هذا الإطار تبرز تجربة “بيوت الحرية” وهي مؤسسة علاجية تعمل بالتعاون مع وزارة الصحة والجهات المعنية، حيث بدأت نشاطها قبل نحو 33 عاما ونجحت في علاج ما يصل إلى 7 آلاف حالة حتى الآن.. في السطور التالية قررنا أن ننظم زيارة إليها، لنرصد لكم قصصا لمتعافين عادوا من الجحيم، فكان هذا التحقيق:
القرار الشجاع
في البداية التقينا شريف آدم، أحد المتعافين بمؤسسة الحرية، حيث يقول: كنت مدمنًا على تعاطي المخدرات، وأكملت الآن ست سنوات ونصف في رحلة التعافي. بدأت رحلتي مع المخدرات، كما بدأت رحلتي نحو التعافي. وكانت التعاطي بدافع الفضول وحب الاستطلاع. كنت أبحث عن مصدر خارجي يمنحني سعادة تعوّض ما كنت أشعر به من نقص داخلي. كنت أرغب في شيء يكملني عاطفيًا ونفسيًا بسبب بعض المعوقات التي واجهتها في حياتي الشخصية، وداخل أسرتي، وفي المجتمع من حولي. تلك العوامل كلها دفعتني إلى اللجوء للمخدرات. وأولى خطواتي نحو الإدمان كانت تخصيص وقت كبير لهذا السلوك، وتوفير المال اللازم لذلك. كما سعيت للابتعاد عن الأشخاص الذين يقدمون لي النصيحة، وكنت أعتبرهم غير مرغوب فيهم. في المقابل، كنت أقرّب مني من يشاركني نفس السلوك، وأعتبره صديقي الحقيقي، لأنه كان يساعدني على الاستمرار فيه. وأستطيع القول إن الشعور في تلك اللحظة كان شبه منعدم. بعد أن أصبحت أكثر وعيًا، أدركت أن السبب الذي جعلني أتناول المخدرات في تلك اللحظة لم يكن شعورًا حقيقيًا. بل على العكس، كنت أبحث عن حالة من “اللا شعور”، ألا أشعر بشيء، لا حزن ولا فرح. وهذا ما كنت أسعى إليه: أن أصل إلى حالة من الفراغ التام.
ويحكي شريف أنه بدأ رحلة التعاطي عندما كان الثامنة عشرة من عمره، وهو الآن في الخامسة والثلاثين. مضيفاً: “لاحقًا، فهمت أنني كنت أمتلك “سلوكًا إدمانيًا”. كنت دائمًا أبحث عن الكثرة، وأرغب في الحصول على الشيء فورًا وبشكل مفرط. والمخدرات كانت قادرة على تلبية هذا الاحتياج. فهي تمنح لحظة من النشوة السريعة، تلك اللحظة التي أشعر فيها بأنني لا أحتاج لأي شيء، سواء كنت أتناولها في فيلا فاخرة أو في مكان مهجور أو حتى في سيارة. هذه اللحظة كانت أقصى ما أطمح إليه، وكنت أكررها باستمرار، مع زيادة في الجرعة وفي كثافة التعاطي. خلال هذه الأثناء لم أشعر يومًا بالرغبة في العلاج، وكما ذكرت سابقًا، كنت أعتقد أن المشكلة ليست بي، بل في المجتمع نفسه. كنت أرى أن الجميع يجب أن يتعاطى، وأن تعاطي المخدرات أمر جميل. ولذلك أصعب ما مررت به هو مجاهدة النفس. وما زلت حتى الآن أعتبرها من أصعب الأمور. لكن من خلال فهمي لطريق التعافي، وعملي على برنامج “الخطوات الاثنتي عشرة”، بدأت أفهم معنى الوعي الذاتي وكيفية العمل عليه.
خطوات العلاج
وحول خطوات العلاج في المؤسسة يواصل شريف حديثه قائلا: الخطوات الاثنتا عشرة هي برنامج مخصص للأشخاص الذين يعانون من الإدمان، وتُستخدم في مجموعات الدعم مثل “N.A”. كل خطوة من هذه الخطوات تقدم مبدأ وتوجيهًا معينًا يُطلب من الشخص أن يعيشه ويطبّقه في حياته اليومية. هذا البرنامج لا يقتصر فقط على علاج الإدمان، بل تطبّقه جهات كبرى مثل وزارات المالية والخارجية في تدريب كوادرها، خاصة في مجالات مثل الموارد البشرية. فهو يعلّم الأمانة، وسرعة البديهة، والالتزام، وتحمل المسؤولية، ومعرفة دور الفرد في المجتمع، وغيرها من المبادئ الجوهرية. في الوقت نفسه شعرت بدعم كبير من أسرتي. أما أصدقائي فلم يكن لديهم الوعي الكافي، لأننا كنا جميعًا داخل نفس الدائرة، وكانوا يعتبرونني صديقًا حقيقيًا لأنني كنت أشاركهم المخدرات، أدعوهم لحفلات خاصة، أو أشتري لهم المواد المخدرة. أما بعد التعافي، فقد اعتمدت على الدعم الحقيقي من نفسي، لأنني أدركت أن الحل يجب أن يأتي من الداخل. عندما اتخذت القرار الصادق بالتوقف، استطعت أن أصل إلى تغيير ملموس.وقد مررت بثلاث انتكاسات. أول مرة كانت في عام 2015، حيث توقفت عن التعاطي لمدة ستة أشهر، ثم عدت للتعاطي. المرة الثانية توقفت لمدة أحد عشر شهرًا، ثم انتكست. أما المرة الثالثة، فمنذ عام 2018 حتى الآن وأنا محافظ على التعافي. كان ذلك بتوفيق الله أولًا، ثم بدعم من أشخاص يمتلكون وعيًا كبيرًا وتجارب طويلة مع التعافي، بعضهم تجاوز العشرين والخمسة والعشرين عامًا من التعافي المستمر. تعلّمت منهم أهمية العلاقة السليمة مع الله، واتخاذ قرار التعافي الصادق، وتذكّر كل ما سببته لي المخدرات من أذى نفسي وجسدي ومادي. بعد ذلك بدأت أشتغل على سلوكياتي، وغيّرت نمط حياتي. وأكثر شيء تعلّمته عن نفسي خلال فترة العلاج أنني تعرّفت على مميزاتي وعيوبي بشكل واضح. أدركت دوري في المجتمع، وتعلمت أنني لست محور الكون، وأن الحياة لا تبدأ ولا تنتهي عندي.
ويرى شريف أن تعامل المجتمع مع الشخص المتعافي يبدو طبيعيًا إلى حد كبير. بالعكس، أحيانًا ألتقي بأشخاص لديهم وعي كبير، ويبدون إعجابًا بأنني شخص متعافٍ. بعضهم يرى أن المتعافي شخص ذكي، سريع البديهة، يستطيع أن يفهم الآخرين ويدرك احتياجاتهم بسرعة. هذه تجربتي الشخصية، وقد تختلف من شخص لآخر. وأهم طموح لدي هو أن أظل متعافيًا، وأن أستمر في الامتناع عن التعاطي. هذه القناعة لم تأتِ منذ البداية، بل تشكّلت بعد عامين من التوقف عن التعاطي. أصبحت مقتنعًا تمامًا بأن الاستمرار في التعافي هو طريق الحياة بالنسبة لي. ولذلك أود توجيه رسالة إلى الشباب الذين ما زالوا في بداية الطريق أو يفكرون في العلاج، أقول لهم إن اتخاذ خطوة نحو التعافي قرار عظيم. هو بداية حقيقية لحياة جديدة، تساعدك على استعادة نفسك، وأن تعيش الحياة التي كنت تستحقها منذ البداية. هذه الخطوة ستغيّر مسار حياتك على كل المستويات: في عملك، وفي علاقاتك، وفي فهمك لنفسك وللآخرين. حتى إن كانت محاولة أولى ولم تنجح، فالمهم أنك بدأت، وأنك حاولت.
إدمان مبكر
ويحكي هيثم. أ (40 سنة) محنته من الإدمان قبل أن يلجأ إلى بيت الحرية، قائلا “أنا من عائلة ملتزمة فوالدتي الله يرحمها كانت ست بيت، ووالدي خرج على المعاش على درجة وكيل وزارة، لكن أنا لم يعجبني هذا الوسط الملتزم، فقررت أتمرد خاصة وأنني رأيت في المنطقة من حولي ناس “متصيتة” فأنا كنت أريد أن أكون مثل هؤلاء الناس، ومع إن المنطقة كان فيها ناس كويسة، لكن أنا عيني كانت “جايبة الوحش”، فبدأت بالبرشام، وبعدها دخلت على الحشيش، ومع الوقت بدأت مشاكلي تتزايد، ودخلت مرحلة الإدمان من ثانية إعدادي تقريبا، ثم دخلت الثانوية العامة، وحصلت على مجموع 77% وأنا أتعاطى المخدرات، فالتحقت بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وكان عندي ميول للسلوك الإدماني وشراهة إدمانية عالية جدا، ففي أول يوم لي بالجامعة “ضربت بودرة” داخل الجامعة، لأن الإسكندرية هي منبع البودرة، ومن هنا بدأت أخذ بودرة من سنة 2002، وواحدة واحدة الحياة مشيت، وبعد الكلية فتحوا لي محلاً حتى أبتعد عن المشاكل، لكن تركت المحل وبدأت أبيع مخدرات وأصبح لي اسم وصيت في البلد، وحققت الحلم الذي كنت أحلم به وهو أن أصبح أشهر واحد في شبين الكوم، وفعلا عملت فلوس كثيرة جدا واشتريت أرضا وشققا وعربيات من الإتجار في المخدرات، وكانت النتيجة أنني “اتسجنت”، وقبل السجن تزوجت لمدة شهرين، ثم قضيت 4 سنوات ونصف في السجن، وبعدما خرجت كانت هناك محاولات “تبطيل عن التعاطي” لكن كلها باءت بالفشل، إلى أن نزلت على أرض الواقع، وعندما كنت أتخذ قرار التوقف عن التعاطي كنت أحبس نفسي في غرفة مكيفة بمفردي، لكن كنت أعود مرة أخرى، بينما في المرة الأخيرة قررت أن أتوقف نهائيا عن الإدمان، وأنا بطلت 3 مرات بدلع زيادة وكل الإمكانيات متاحة، ولو كنت بطلت من أول مرة قررت فيها، كان زماني في ظروف أفضل تماما على الأقل كنت حافظت على زوجتي من الطلاق أو الانفصال، المهم إنني في النهاية توقفت عن التعاطي بعدما خسرت كل شيء في حياتي، أنا موجود في بيت الحرية من سنة و9 شهور تقريبا، وهناك تحليل دوري، وعندي وعي وأحاول أن أنقل تجربتي للشباب، وهذا المكان هو الحصن بالنسبة لي.
ويواصل هيثم سرد قصته قائلا: المشكلة في السلوك، وأكبر دافع للعودة أنني خسرت كل حاجة، فقد كنت أتمنى أن أعمل لنفسي كارير في الحياة، لذلك قررت أتوقف حتى أعيد احترامي لنفسي بعد أن خسرت عائلتي كلها ولم يقف بجواري سوى أبي وأخي، فقد خسرت نفسي وزوجتي ووالدتي التي توفيت وهي زعلانة مني، بخلاف الخسائر الاجتماعية الكثيرة، فأخي خطب 12 مرة وفشل بسببي، مع أننا عائلة لها صيت وأبي كبير العائلة، لكن أنا تسببت في إدخال أهلي في مشكلات كثيرة.. لذلك أنصح الشباب وأقول له: ألحق نفسك، فالمشكلة أن الكثير من المدمنين يكون عندهم إنكار، هذا الإنكار يجب أن يتم كسره مبكرا، حتى يدرك المدمن أنه يسير في سكة شمال.
مأساة ريمون
قصة أخرى من الطراز المأساوي، بطلها الشاب ريمون (25 سنة)، وهو شاب واعد لكنه سقط في فخ الإدمان، حيث يروي حكايته قائلا: قعدت 6 سنين في ثانوي، مع إني كنت متفوقا، لكن مع الأسف بدأت رحلة الإدمان مبكرا، كان عندي 14 سنة، وكنت أتعاطى برشام وإستروكس، وما دفعني لهذا الطريق إنني كنت أرى أخي الأكبر وهو يتعاطى المخدرات، وكنت أحب أنزل الشارع، والحقيقة “مالقيتش حد نظيف في حياتي”.. وكلما أتوقف عن الإدمان أعود مرة أخرى.. فقد كنت أعاني من قصور أخلاقي، وبطبعي إنسان عنيد أفعل عكس الصح وأتصرف عكس النصيحة، فهي أزمة سلوكية، لكن في البداية لم أجد رقابة من أحد، ولم يقل لي أحد هذا عيب وهذا حرام، فوالدي توفي وأنا طفل، ووالدتي ربة منزل بسيطة، فكنت أشرب دون أن يعرف أحد، أيضا كنت أشعر بالغيرة من أخي، فلماذا يتعاطى المخدرات ويتصرف في الدنيا بمزاجه وأنا لا وهذه غيرة سلبية، وقد بدأت بالحشيش، كما بدأت أشرب في البيت، ومن كان يقول لي عيب وغلط أقول له روح انصح نفسك، وأول محاولة لي كان عندي 19 سنة، وتوقفت عن التعاطي مدة 9 شهور، ولكن رجعت بشكل أسوأ، لدرجة أنني بدأت أسرق.
ويذكر ريمون أنه أدمن “الإستروكس”، حيث يقول “كنت أتعاطى الإستروكس لأنني لم أكن أريد أن أرى أحدا، فهو يجعلني وكأنني أعيش في حتة تانية لواحدى، فأنا أتعاطاه وكأنني أعيش في كوكب آخر، وكلما “أفصل وأعود للحياة أضرب”، كنت في حالة نوم متواصل، وكنت أشتغل على توك توك وسرقت أهلي وسرقت أصحابي، ووصلت لـ “حالة انتحار والنفسية باظت ومحدش كان طايقني وعايز أقعد لواحدي وسميت نفسي بسم فئران وعورت نفسي ومرة قطعت شرياني ومرة حاولت أرمي نفسي من فوق وأنقذوني” .. لكن في النهاية ربنا كتب لي النجاة وتعافيت وتوقفت عن الإدمان، أيضا أخي الأكبر توقف نهائيا وعاد للحياة منذ 3 سنوات، وحاليا أعمل في بيت الحرية وأنقل تجربتي للشباب، أما أصدقائي فقد مات بعضهم بسبب المخدرات ويقضي آخرون عقوبة السجن، وهناك من تعافى مثلي.
حصن الحرية
ويقول جمال وجيه، المدير الإداري بمؤسسة بيت الحرية، أن فكرة مؤسسة الحرية بدأت من شقة في المنيل، أما مقر وادي النطرون فقد تم افتتاحه عام 1996، وحاليا نعتمد على 12 برنامج في تأهيل المتعافين من الإدمان تأهيلا نفسيا وسلوكيا، كما أننا نستضيفهم أيضاً في مرحلة انسحاب المخدر، وفي هذه الحالة يحتاج الشخص لرعاية طبية من نوع خاص، وتتراوح مدة التأهيل من 4 إلى 6 أشهر على الأقل، يقضي خلال الشخص أوقاته معنا، فهناك إقامة كاملة في البيت، حيث يتم تطبيق مجموعة من الخطوات العلاجية، وقد يكون الشخص صاحب تشخيص مزدوج بمعنى أنه يعاني من الإدمان والمرض النفسي في توقيت واحد، وفي هذا الحالة يحتاج لوقت أطول، وتبدأ الحالة معنا من أعراض الإنسحاب، حيث يتوقف عن التعاطي وهنا يدخل الشاب في حالة صحية حيث يحتاج لأخذ مهدئات ومنومات ومضادات للاكتئاب، وعندما يتم سحب المادة من الجسم يخضع للعلاج السلوكي مباشرة، ويختلف العلاج السلوكي حسب المادة المخدرة سواء كان ترامادول أوز بودرة أو فودو أو استروكس أو حشيش، مع العلم أن المخدرات المصنعة هي الأصعب، فالأستروكس مثلا يدمر خلايا المخ تماما، ومع الأسف أغلب المدمنين الجدد يتجهون لهذا النوع من المخدرات، وبالتالي أصبحت المهمة أصعب في التعامل معهم.
ويضيف جمال وجيه أن هناك تركيبات وخلطات أصبحت أكثر خطورة ويتم تعاطيها على نطاق واسع، ومع الأسف نحن لا نعرف بالضبط طبيعة هذه التركيبات وكيف تؤثر على المخ أو السلوك، فمثلا هناك مخدر جديد عبارة عن بودرة يتم إضافة نوع معين من قطرات العين إليها، وهذه القطرة يتم استخدامها لتوسيع قاع العين في العمليات الجراحية، لكن مع الأسف يقوم بعض الشباب بشرائها من الصيدليات وأحيانا يأخذون على صورة حقن في الوريد، ولك أن تتصور مدى خطورة هذا النوع من التعاطي، حيث تؤدي المادة الفعالة بها للإصابة بجلطات القلب، أضف إلى ذلك أيضا أدوية الجدول مثل بعض أدوية الكحة والكالم بان وغيرها.
ويضيف وجيه أن الإرادة القوية غير كافية على الإطلاق وإنما يحتاج المتعاطي لمساعدة قوية من الآخرين، لأن الإدمان مرض ملعون وخبيث، وهو ما نقوم به في مؤسسة الحرية، وما أقصده هو الاحتواء، حيث يشعر المتعافي من الإدمان أنه يعيش داخل حصن يحميه من شرور النفس وشرور البشر أيضا، حيث يستيقظ صباحا في تمام العاشرة، وبعد الإفطار يدخل في حالة تسمى “التأمل الصباحي” عن طريق قراءة بعض الكتب التي تدفعه للأمام وتغرس بداخله القيم وحب الحياة، ثم يتجه النزيل بعد ذلك لتنظيم حجرة المعيشة التي يقيم بها، ثم تبدأ فترة العمل من خلال مجموعة علاجية نفسية مدتها ساعة ونصف، وفي هذا الخطوة نعمل على بناء الشخصية من جديد ومساعدة النزيل على إعادة ترتيب أولوياته وأهدافه في الحياة، وبعد تناول الغداء يبدأ النزيل في ممارسة الرياضة، وفي نهاية اليوم يخضع النزيل لاستجواب حول الأفكار التي وردت إلى ذهنه طوال اليوم وكيف تعامل معها، والحقيقة أننا نستضيف ما يقرب من 300 نزيل تقريبا، حيث يخضعون جميعا لهذه الخطوات العلاجية، ويتم ذلك بالتعاون والإشراف من المجلس الإقليمي للصحة النفسية التابع لوزارة الصحة، أما الأعمار فتبدأ من 18 سنة وتصل إلى 55 سنة.
معدلات صادمة
إن مؤسس بيت الحرية وصاحب برامجها العلاجية ومديرها العام، فهو الدكتور إيهاب الخراط، استشاري الطب النفسي المعروف، حيث يقول إن نسبة تعاطي المخدرات في مصر تصل إلى 10%، وهي ضعف النسبة العالمية مما يزيد القلق خاصة أن 72% منهم ذكور، والباقي إناث، ونظراً للمتغيرات التي يسببها الإدمان على العقل، فإن عملية علاجه تستغرق بعض الوقت وتمر بعدة مراحل أولها التشخيص والتقييم ثم المتابعة، من هنا جاءت فكرة مؤسسة الحرية وبرنامج التعافي الذي يمر بالعديد من الخطوات، حيث نبدأ بمرحلة طرد السموم من الجسم، وفي هذا المرحلة تبدأ الأعراض الانسحابية لدى المدمن، حيث يتم خلالها تخليص الجسم من السموم التي أصبحت جزءًا منه، وإزالتها بشكل كامل من الدم، ويعاني المريض خلالها من اضطرابات النوم والأرق، ويصاحبها آلام في البطن وارتفاع ضغط الدم والتعرق وارتفاع درجة حرارة الجسم، ويقترن ذلك بحدوث هلوسات عقلية ورغبة في الانتحار مع بعض الاضطرابات النفسية الشديدة كالاكتئاب الحاد، وتبلغ مدة هذه المرحلة ما بين 7 إلى 10 أيام، ثم تبدأ برامج التأهيل النفسي والسلوكي وتساعد بشكل أساسي في تعلم طرق بناءة للتعامل مع مشكلات الحياة وتحمل الضغط المتزايد، بالإضافة إلى جلسات العلاج الجماعي حيث يرى المتعافي ما مر به آخرون وأنه ليس وحده مما يعطيه المزيد من الراحة، ويساعد أعضاء المجموعة بعضهم عن طريق مشاركة المعلومات والخبرات، فإن الاستماع إلى تجاربهم يساعد في بلورة الأفكار ورسم الطريق الصحيح لها. والحقيقة أن هذا البرنامج هو الأكبر والأعرق في الشرق الأوسط وقد وصلت بيوت الحرية الآن إلى 28 فرعا تغطي العديد من المحافظات.