shababik magazine

تحقيق: علي خالد – فهد كريم

تزداد المخدرات التخليقية والاصطناعية انتشارا في أوساط الشباب كالنار في الهشيم رغم تشديد الرقابة عليها، حيث أصبحت تشكل خطراً صامتاً يتسلل إلى عقول الشباب وأجسادهم، ليحصد الأرواح بلا هوادة. وتحتوي هذه المخدرات على تركيبات كيميائية متغيرة باستمرار لعل أخطرها الاستروكس، حيث تفوق هذه المواد في فتكها الهيروين والكوكايين والحشيش، ويصعب كشفها في التحاليل التقليدية، مما يجعلها أكثر خبثاً وانتشاراً. في هذا التحقيق، نكشف الستار عن هذا العدو القاتل، ونرصد آثاره المدمرة على الفرد والمجتمع.

الجرعة القاتلة

كان “خالد.س” شابًا طموحًا يبلغ من العمر 21 عامًا، يدرس في كلية الهندسة، ويُعرف بين أصدقائه بالذكاء والهدوء. في إحدى المناسبات الاجتماعية لعائلته، عرض عليه أحد أقاربه من الشباب مادة جديدة، قال إنها “لا تُسبب الإدمان”، وأنها فقط تمنح شعورًا بالراحة والمرح. لم يكن يعلم خالد أن تلك المادة، التي تُصنّف ضمن المخدرات التخليقية، ستقلب حياته رأسًا على عقب. كانت هذه المادة هي “الاستروكس”، ومن أول جرعة تعاطاها خالد ظهرت عليه مباشرة أعراض الإدمان، وبدأ يتعاطى جرعات منتظمة حتى ساءت أحواله وترك الكلية التي يدرس بها.

داخل خالد في خلافات حادة مع أسرته، وكاد أن يقتل شقيقه واعتدى على بعض الجيران الذين حاولوا السيطرة على حالة الهياج التي بدأت تظهر في سلوكياته.

لكن جرعة كبيرة فقط كانت كفيلة بأن تدخله في نوبة هياج، تلاها انهيار عصبي ثم غيبوبة دامت ثلاثة أيام. وعندما استيقظ، كان قد فقد قدرته على التركيز والنطق السليم، وبدأت أعراض ذُهان حادة تظهر عليه. الأطباء أكدوا أن المخدر دمّر مراكز مهمة في دماغه.

اليوم، يقضي خالد أيامه في مصحة نفسية، ويزوره أهله مرة كل أسبوع، بينما لا يزال صديقه الذي أعطاه المادة هاربًا من أي مساءلة قانونية.

هكذا بدأت رحلة خالد مع المخدرات الاصطناعية المدمرة، وهي رحلة تتشابه في أحداثها مع قصص شباب كثيرين فقدوا مستقبلهم وصحتهم وربما حياتهم نتيجة التعاطي.

صناعة محلية

في البداية، يقول الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي بوزارة التضامن الاجتماعي، إن المخدرات التخلقية تُعد من أخطر أنواع المواد المخدرة، وقد انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ليس فقط في مصر، بل في مختلف أنحاء العالم. وبرزت بشكل خاص بعد جائحة كورونا، حيث أدّى الإغلاق الكامل للموانئ البرية والبحرية والجوية إلى عجز مروّجي المخدرات عن تهريب المواد التقليدية، ما دفعهم إلى التفكير في أنواع جديدة تُصنّع محليًا باستخدام مواد كيميائية. وقد تسببت هذه المواد في ارتفاع كبير في نسب تعاطي المخدرات الاصطناعية في مصر؛ إذ ارتفعت نسبة الإدمان عليها بين المرضى من 8% قبل جائحة كورونا إلى نحو 25% بعد الجائحة.

ويؤكد عثمان أن هذه المواد المخدرة لها تأثير خطير للغاية على المستوى الدولي، فعلى سبيل المثال، أظهرت إحصائية صادرة من الولايات المتحدة الأمريكية أن عدد الوفيات نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات التخلقية تجاوز 130 ألف حالة في عام 2023 فقط. وتتطوّر هذه المواد بشكل دائم، إذ يعمل مروّجوها باستمرار على تطويرها. ولهذا السبب، تُحدّث جداول تصنيف المواد المخدرة بشكل مستمر لإضافة كل مادة تخليقية جديدة تُستخدم كمخدر اصطناعي. وتُعدّ آثارها خطيرة جدًا، فهي لا تؤثر فقط على الجوانب الجسدية والنفسية للفرد، بل تمثل خطرًا كبيرًا على المجتمع. إذ أنها تزيد من السلوك العدواني، وتتسبب في الهلوسة السمعية والبصرية، وقد تؤدي إلى فصام. وتكمن الخطورة في أن الشخص يصبح عدوانيًا وواقعًا تحت تأثير الهلاوس، ما قد يدفعه إلى ارتكاب جرائم عنيفة وهو يظن أنه يدافع عن نفسه أو غيره. من الأمثلة الواقعية على ذلك حادثة شهيرة وقعت في محافظة الإسماعيلية، حيث قام شخص – تحت تأثير مخدر “الاستروكس” – بقطع رأس آخر والتجول بها في الشوارع، مدّعيًا أن المجني عليه اعتدى على والدته، في حين كان يتوهّم ذلك بسبب تأثير المخدر.

ويوضح عثمان أن المخدرات التخلقية تنتشر بسرعة بين الشباب لأنها لا تمر بمرحلة “التجربة” المعتادة مع أنواع المخدرات الأخرى، بل بمجرد أن يُجرّبها الشاب، يدخل في طريق الإدمان مباشرة، دون وعي أو نية مسبقة للإدمان. وهذا يجعل من الصعب جدًا على من يجرّبها أن يتوقف عنها لاحقًا، لأنها لا تسمح بأي تدرّج طبيعي في مراحل التعاطي. وطبعاً يوجد علاج منها، لكن تداعيات الإدمان على هذه الأنواع من المخدرات ليست سهلة. فغالبًا ما يكون المصاب مدمنًا ويعاني في الوقت ذاته من أمراض نفسية وجسدية ناتجة عن المواد التخلقية. لذا، يتطلب العلاج المرور بعدة مراحل، تشمل سحب السموم من الجسم، والتأهيل النفسي والاجتماعي، ومعالجة الأمراض المصاحبة سواء النفسية أو العضوية.

أما الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي، فيقول إن المخدرات التخليقية بدأت في الانتشار بعد حالة الانفلات الأمني التي حدثت في أغلب دول العالم، والتي بدأت منذ عام 2011 وحتى الآن، حيث شهدت العديد من الدول حروبًا وصراعات، وبالتالي وجد الخارجون على القانون الفرصة لترويج هذه المواد المخدرة، والتي يتم تصنيعها بطريقة تعطي تأثيرًا أقوى من المواد المخدرة الطبيعية، كما أن سعرها أرخص، مما يجعلها سهلة الانتشار. ويمكن تهريبها على أنها أعشاب عطرية أو أملاح استحمام، وتُباع بأشكال متنوعة في أماكن عامة مثل السوبر ماركت، مما يصعب كشفها كمخدرات.

ويضيف مجدي أن تأثير المخدرات التخليقية أخطر مقارنة بالحشيش أو المخدرات الأخرى، وبعضها يشبه الحشيش في التأثير، وبعضها يشبه الهيروين أو الكوكايين، أو يعمل كمنبهات ومنشطات. أما الأسماء المتداولة لها في السوق فتتمثل في الاستروكس، الشابو، الفودو، وهي تُعرف بـ“أدوية الشارع”، حيث يطلق الناس عليها أسماءً مختلفة حسب شكلها أو استخدامها، مثلما كانوا يطلقون على البودرة اسم “براون شوجر”. ويقبل الناس على استخدامها رغم خطورتها بسبب جرعاتها العالية وسعرها الرخيص، ما يجعلها جذابة وسهلة الاستخدام، لكن هذا يعرض الشخص لخطر الجرعة الزائدة (أوفر دوز).

ويذكر مجدي أن الأعراض النفسية التي تسببها هذه المخدرات تتمثل في “الذهان”، وهو حالة من الأوهام والهلوسات السمعية والبصرية، حيث يرى الشخص أشياء لا يراها غيره ويسمع أصواتًا لا يسمعها أحد سواه، ويصبح مفرط النشاط، ويشعر بأن هناك من يريد إيذاءه، وقد تدفع الشخص إلى ارتكاب أفعال عنيفة، مثل مهاجمة شخص بريء ظنًا منه أنه يهدده أو يشتمه، أو الدخول في شجار مع أهله قد تصل إلى القتل، نتيجة أوهامه بأن الجميع يتآمرون ضده، وللأسف، الذهان قد يستمر حتى بعد التوقف عن التعاطي، مما يتطلب علاجًا نفسيًا وليس فقط علاجًا من الإدمان. ونظراً لأن هذه المخدرات صناعية، ولا تُعرف مكوناتها بدقة، يتم العلاج على أساس المادة المشابهة لها (كالهيروين أو الحشيش أو الأمفيتامين). ويشمل العلاج أدوية لتهدئة الذهان، وأدوية تقلل من الرغبة في العودة للتعاطي، وأدوية لأعراض الانسحاب. وتختلف أعراض الانسحاب من حالة لأخرى، وتشمل أعراضًا نفسية مثل الاكتئاب، اضطرابات النوم، فقدان الشهية، الحزن، الغضب، التوتر. وأعراضًا عضوية مثل آلام في المفاصل، والعضلات، والمعدة، صداع شديد، وتشنجات، نتيجة خلل في كهرباء.. المخ.

وحول الفرق بين أعراض الانسحاب النفسية والعضوية، يقول مجدي إن أعراض الانسحاب النفسية تشمل الاكتئاب، اضطرابات في النوم، فقدان الشهية، الحزن الشديد، الغضب، والتوتر، وتُعالج بأدوية تختلف حسب حالة كل شخص. أما الأعراض العضوية فتشمل آلامًا في المفاصل، والعظام، والمعدة، وصداعًا شديدًا، وتشنجات، وذلك لأن هذه المواد تنشط مراكز الكهرباء في المخ، مما يؤدي إلى خلل قد يسبب تشنجات صرعية، ويتم علاجها بأدوية مناسبة. وطبعا يُفضل حجز المريض داخل مركز علاجي لتقديم علاج سلوكي معرفي ومتابعة دقيقة.

ويوضح مجدي أن هناك طرقاً علاجية أصبحت مهمة في التعامل مع المدمنين كالعلاج السلوكي المعرفي، وهو تعريف المريض بأن تعاطي المخدرات فكرة خاطئة، وأنها ليست الحل للوصول إلى حالة نفسية جيدة. ويُساعد المريض على كيفية الإقلاع، والتعامل مع الرغبة في العودة، وتحسين علاقته بأسرته، واستعادة ثقتهم فيه. وقد يمتد العلاج إلى شهر أو شهرين داخل المصحات أو خارجها. وتتم المتابعة في حالة العلاج خارج المصحة، حيث يمكن إعطاء المريض أدوية لأعراض الانسحاب، ويقوم بالمتابعة مع طبيبه مرة واحدة على الأقل في الأسبوع. كما يمكنه حضور مجموعات مع المدمنين المتعافين، أو حضور جلسات داخل المستشفى، أو جلسات تعافٍ من الإدمان، حتى يُدرك أنه يعاني من مشكلة يجب عليه تجنبها. ويجب الاستمرار على الأدوية بعد التوقف عن المخدرات لأن مشكلة المخدرات قد تتحول إلى أعراض نفسية مثل الاكتئاب أو خلل في كهرباء المخ، ولذلك يجب الاستمرار على الأدوية للحفاظ على الاستقرار النفسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة