shababik magazine

تحقيق: جودي شريف – فهد كريم

بين دفء الوطن والراحة النفسية وسط جدرانه وبين الأحلام الجامحة والتي قد لا تتحقق إلا بالغربة والرحيل بعيداً، يعيش الكثير من المصريين بين حياة القرى البسيطة وضجيج المدن الكبرى، أو وبين وطن مليء بالتحديات وفرص السفر الواعدة للخليج، حيث يواجهون تجارب متنوعة تعكس قدرتهم على التكيف مع التحولات. كما تعكس أيضا القدرة المصرية الفريدة في البحث عن الذات والسعي نحو تأمين الحياة في المستقبل.. في هذا التحقيق، نستعرض قصص ثلاثة أشخاص خاضوا رحلات مختلفة في حياتهم: سمير عبدالنبي، شاب ترك قريته الهادئة ليعيش في قلب القاهرة؛ وعماد منصور، الذي اكتسب خبرات من سنوات عمله في الخليج؛ وإبراهيم النواوي المخلص لأرضه. هذه الحكايات تُلقي الضوء على الفروق بين هذه البيئات، وتكشف كيف يواجه المصريون التحديات ويبحثون عن الأفضل.

صدمة حضارية

في البداية، يقول سمير عبدالنبي (٣٢ عامًا): نشأت في قرية صغيرة في دلتا مصر، حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً، والعلاقات قائمة على المودة. ففي قريتي، الحياة بسيطة، كل شيء يسير ببطء.

لكن سمير كان يطمح لحياة مختلفة، حيث التحق بالعمل كفني مصاعد في القاهرة. في البداية، كان الانتقال صعبًا، حيث يواصل حكايته قائلا: “واجهت صدمة حضارية. الزحام والضوضاء والاختلاف الكبير في طبيعة الحياة والعمل أرهقني”.

مع الوقت، تمكن سمير من التأقلم بفضل طبيعة عمله، التي جعلته يتعامل مع مهندسين وعمال من خلفيات مختلفة، ويعبر عن ذلك بقوله: “تعلمت المرونة والانفتاح على أفكار جديدة. ورغم نجاحي في المدينة، إلا أن الجذور لا تزال تناديني. فأنا أفتقد الطبيعة والراحة النفسية التي كنت أشعر بها في قريتي”.

فلاح مصري

أما إبراهيم النواوي فقد بقي كغيره من الفلاحين المصريين المتمسكين بحياتهم في الريف. حيث يبدأ إبراهيم يومه مع شروق الشمس، ويتوجه إلى الحقول للعناية بأرضه. ويقول: “الأرض هنا هي كل شيء. من يزرعها يعرف كيف يكسب رزقه، فالحياة في الريف ليست سهلة، لكنها قائمة على التعاون. وفي قريتنا، إذا احتاج أحد إلى مساعدة، يتكاتف الجميع لدعمه”، ويضيف إبراهيم أن العمل الزراعي يعتمد على الصبر والجهد، وأن الحياة الريفية رغم بساطتها توفر إحساسًا قويًا بالانتماء.

لكن إبراهيم يعترف بتحديات مثل قلة فرص التعليم والموارد مقارنة بالمدن، واصفاً ذلك بقوله “من يريد التعليم، يمكنه تحقيق ذلك، لكنه يحتاج إلى اجتهاد إضافي، ومع ذلك، سأظل مقتنعًا بأن العيش في الريف يمنحني راحة لا أجدها في أي مكان آخر.

دفء الوطن

عماد منصور، 45 عامًا، قرر في شبابه الانتقال للعمل في الخليج العربي. عمل كبائع في معرض، حيث اكتسب خبرة واسعة في خدمة العملاء والتسويق، ويحكي قصته مع الغربة قائلا “تعلمت كيف أتعامل مع الناس، أفهم احتياجاتهم وأوفر لهم ما يريدونه، كما تعلمت الالتزام الصارم بالمواعيد والعمل بنظام دقيق، وهو أمر أعتبره من أهم دروس تلك المرحلة.

ويضيف منصور أن السنوات التي قضاها في الخليج لم تكن خالية من التحديات، ففي البداية، كان التعامل مع ثقافة جديدة صعبًا، لكنه تأقلم معها سريعًا، وتابع “عند عودتي إلى مصر، واجهت تحديًا مختلفًا: التكيف مع بيئة عمل أقل تنظيمًا. العودة كانت صدمة، لكن الخبرات التي اكتسبتها ساعدتني في التعامل مع الأمور بشكل أفضل، ومع ذلك أشعر بالحنين إلى الخليج أحيانًا بسبب النظام والفرص، لكني أرى أن وطني يظل المكان الذي أجد فيه الراحة النفسية.

تحديات ودروس

كل من سمير وإبراهيم وعماد واجهوا تحديات خاصة في رحلتهم. سمير اضطر إلى التكيف مع حياة المدينة الصاخبة، لكنه اكتسب خبرات مهنية وشخصية قيّمة. إبراهيم بقي متمسكًا بأرضه وترابطه الأسري، رغم التحديات اليومية. أما عماد، فقد عاش تجربة فريدة في الخليج، تعلم فيها النظام والانضباط، لكنه واجه صعوبات عند العودة للوطن.

الجميع يتشاركون شعورًا بالحنين إلى الجذور: سمير يشتاق لطبيعة الريف، الفلاح يجد في أرضه معنى الحياة، وعماد يرى في مصر دفء الوطن رغم اختلاف التحديات.

بصفة عامة تؤكد تجاربهم أن الانتقال من مكان إلى آخر هو رحلة تعلم واكتشاف. الريف يقدم دروسًا في البساطة والترابط، المدينة تعلم التنافس والطموح، والخليج يفتح أبوابًا للتطور والالتزام. قصص سمير، إبراهيم، وعماد تعكس حقيقة الحياة المصرية: مزيج من التحديات والفرص، والقدرة على التكيف مع التغيير.

هذه الحكايات ليست مجرد قصص شخصية، بل هي نافذة على حياة كثير من المصريين الذين يواجهون تحولات كبيرة، ويبقون متمسكين بأملهم في غد أفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة