حوار: فرح شوقي – فرح أحمد
جورجيت أنور وشريف مرزوق زوجان مسيحيان متفاهمان، يتعاملان مع خلافات الحياة الزوجية بقدر كبير من الحكمة والتأني، حيث يشبِّهان البيت بكنيسة صغيرة، ولهذا يجب أن تظل قائمة. الأسرة بالنسبة لهما رابطة مقدسة تجمع الزوجين والأبناء تحت سقف واحد، ومهما كانت التحديات والظروف فإن كيان الأسرة يجب أن يظل راسخاً.. في السطور القادمة التقيناهما في حوار خاص حول رؤيتهما للزواج وكيف يمكن منع الطلاق وما طبيعة الدور الذي تقوم به الكنيسة لحل الخلافات الزوجية.
كيف تنظران إلى الزواج في المسيحية؟ وما الذي يجعله مختلفاً عن غيره من الأنظمة الزوجية؟
شريف: الزواج يُعتبر اتحادًا بين الروح والجسد، أي أن الزوجين يصبحان كيانًا واحدًا، تمامًا كما أن الكنيسة جسد واحد. لذلك، ينبغي أن يكون البيت كنيسة صغيرة، حيث يكون الزوجان كنيسة بحد ذاتهما، مما يعني أن هذه الكنيسة تبقى قائمة دون أن يحدث فيها انفصال. ولكي يتحقق ذلك بالكامل، يجب أن يكون هناك التزام تام من كلا الطرفين. فالزوجة ليست مجرد شريكة حياة فقط، بل هي كيان متكامل داخل هذه الكنيسة المصغرة. والزواج المسيحي يقوم على المحبة غير المشروطة، أي أن الحب لا يكون قائمًا على شروط أو متطلبات، بل هو حب دائم وثابت. وهذا يعني أن الزواج في المسيحية هو زواج أبدي، لا يُفترض أن ينتهي أو يُفكر أحد طرفيه في الانفصال لأي سبب كان.
ما أبرز التحديات التي تواجه الحياة الزوجية من وجهة نظركما؟
جورجيت: عند الحديث عن التحديات التي تواجه الحياة الزوجية، نجد أنها متعددة. فمن بين هذه التحديات، هناك الاستقرار في المعيشة، والذي يُعد أمرًا طبيعيًا جدًا، بالإضافة إلى اختلاف وجهات النظر أحيانًا، خاصة في التعامل مع الظروف المادية والتقلبات الاقتصادية التي نمر بها جميعًا. وهكذا، فإن كل هذه الأمور تشكّل تحديات حقيقية في الحياة الزوجية، ولكن الأهم هو كيفية التعامل معها. فكل زوجين يمران بهذه التحديات، مثلما يمر بها أي بناء يُقام في الحياة. لذلك، إن كنتم تواجهون بعض الصعوبات في المعيشة، فمن الطبيعي أن تطرأ بعض التغيرات المالية بين الحين والآخر، وهكذا تسير الحياة.
هل تقدم الكنيسة دعماً كافياً للأزواج الذين يواجهون مشكلات؟
شريف: الكنيسة تقدم دعمًا للزواج من خلال الإرشاد الزوجي، كما توفر ما يُعرف بالمشورة الروحية، وهي مشهورة جدًا. هذه المشورة تُعطى قبل الزواج، وأحيانًا هناك أشخاص يحتاجون إليها بعد الزواج أيضًا، خاصة إذا واجهوا مشكلات معينة. وعندما يواجه الزوجان مشاكل، قد يكون الحل المقترح لهما هو اللجوء إلى المشورة الروحية بدلًا من التسرع في اتخاذ قرارات مثل الانفصال. فهذه المشورة تساعدهما على التعلم والتعامل مع المشكلات بطرق أفضل، كما تُعلمهما كيفية الحفاظ على الزواج وتجنب الأزمات.
جورجيت: من خلال هذه الدورات، يتعلم الزوجان كيفية التعامل مع بعضهما البعض بمحبة مستمدة من الروحانية المقدسة، مما يعزز من قوة العلاقة بينهما. ولهذا، تقدم الكنيسة العديد من الدورات الروحية والتدريبات لمساعدتهما. وهكذا، حتى إن استمرت المشكلة، يمكن اللجوء إلى وسائل أخرى مثل الكتيبات الإرشادية أو الكراسات المتخصصة التي تقدمها الكنيسة.
كيف تتعاملان مع الخلافات الزوجية الطارئة؟
شريف: المشكلة التي تواجه الأزواج في خلافاتهم هي تجاهل المشورة الروحية، إذ يتعاملون معها وكأنها غير ضرورية، في حين أنها أساسية ومؤثرة. كما ذكرنا سابقًا، عند حدوث أي خلاف، يجب أن يكون التوجه الأول نحو الكنيسة، لكن البعض يتجاهل ذلك تمامًا. وهكذا، نجد أن فئة معينة فقط تلجأ للكنيسة لمناقشة الأمور، بينما البقية يختارون الابتعاد. ومن المهم أن نُدرك قيمة المشورة الروحية، فهي ليست مجرد فكرة، بل تحتوي على العديد من الجوانب الهامة مثل التوعية والإرشاد. لذلك، يقترح أبونا أن يحرص الأزواج على الصلاة المشتركة عند حدوث أي خلاف، حتى لو كانت مجرد صلاة بسيطة تجمع الاثنين معًا.
هل تعتقدان أن هناك حالات يكون فيها الطلاق ضرورياً رغم القواعد الدينية؟
جورجيت: نعم، هناك حالات يكون فيها الطلاق ضروريًا، خاصة في ظل القواعد الدينية. من أبرز هذه الحالات هو وقوع الزنا، ولكن الأمر لا يقتصر على مجرد الادعاء، بل يجب أن يكون هناك إثبات واضح وقوي على حدوث الزنا من أحد الطرفين. لا يكفي مجرد الشك أو الكلام، بل ينبغي أن يكون هناك دليل يثبت أن الفعل قد تم بالفعل من الطرف المخطئ، وعندها توافق الكنيسة على الطلاق، ولكن دون وجود هذا الإثبات، لا تعترف الكنيسة بالطلاق رسميًا. أما الحالة الثانية، فهي عدم القدرة على الاستمرار مع الطرف الآخر لأسباب قهرية، كأن يكون هناك طرف يرغب في الإنجاب بينما الآخر يرفض تمامًا. في مثل هذه الحالة، إذا قرر الطرف الرافض للإنجاب أن يتزوج من جديد ويكمل حياته مع شخص آخر، يمكن أن تتدخل الكنيسة للنظر في الوضع.
شريف: في كل الأحوال، إذا كان الطرفان متفقين على الطلاق، فالمشكلة تصبح أكبر في نظر الكنيسة، لأنها تعتبر الزواج رباطًا مقدسًا وليس مجرد عقد اجتماعي يمكن فسخه بسهولة. ومع ذلك، إذا أصر الطرفان على الطلاق، فقد تقبل الكنيسة الأمر وفقًا لشروط معينة.
ما رأيكما في القوانين الخاصة بالطلاق في الكنيسة؟ هل ترونها عادلة أم بحاجة إلى تغيير؟
شريف: قوانين الكنيسة في موضوع الطلاق تختلف حولها الآراء. هناك من يراها عادلة، وهناك من يراها غير ذلك، حيث يمكن أن تحدث مشاكل كبيرة تستدعي الطلاق، لكن الكنيسة لا توافق على الطلاق إلا في حالات نادرة جدًا مثل علة الزنا، وهذا يسبب أزمة لدى بعض الأشخاص. لكن الكنيسة تؤمن بأن الزواج أبدي، حيث يكون ارتباط الروح والجسد دائمًا، لذا فهي لا تقبل الطلاق بسهولة. ومع ذلك، ترى الكنيسة أن قوانينها عادلة لأنها تقدم إرشادًا دقيقًا قبل الزواج، حيث يجب على المقبلين على الزواج اجتياز دورات تأهيلية لمدة ستة أشهر تشمل المشورة الروحية والتوجيه. بالإضافة إلى ذلك، هناك إجراءات عديدة يجب استيفاؤها قبل الزواج، بحيث لا يكون هناك أي التباس أو مشاكل مستقبلية غير متوقعة. ومع ذلك، يظل هناك اختلاف في الآراء حول قوانين الكنيسة بخصوص الطلاق، حيث يرى البعض أنها صارمة بينما يراها آخرون ضرورية للحفاظ على النظام والاستقرار.
هل لديكما معرفة بحالات طلاق في المجتمع المسيحي؟ وكيف تعاملت الكنيسة والمجتمع معها؟
جورجيت: هناك العديد من المسيحيين الذين يواجهون مشاكل قوية تتعلق بالطلاق، ولذلك تحاول الكنيسة في البداية إيجاد حلول للمشكلة. ولكن إذا لم يكن هناك حل نهائي واستحالت الحياة بين الطرفين، فإن الطلاق يصبح ضروريًا في بعض الحالات، ولذلك هناك كنائس تقدم الدعم للأفراد الذين يمرون بهذه التجربة.
شريف: تقدم بعض الكنائس خدمات متكاملة تشمل الدعم الروحي والنفسي، حيث يتم الاهتمام بالطرف المتضرر من الطلاق، خاصة إذا كانت حالته النفسية متأثرة بشكل كبير. فالانفصال قد يؤدي إلى أضرار نفسية كبيرة، ولذلك يكون دور المجتمع ضروريًا في تقديم الدعم اللازم، سواء على المستوى الروحي أو النفسي، لأن هناك أشخاصًا قد يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بشكل واضح.
ما الحلول التي تقترحونها لتقليل حالات الطلاق بين المسيحيين؟
جورجيت: الطلاق بين المسيحيين ليس أمرًا شائعًا، بل هو نادر جدًا، وهناك أسباب عديدة لذلك. فالكنيسة تضع العديد من القواعد والتوجيهات الصارمة قبل الزواج، حيث يتم تقديم دورات تأهيلية ومشورة روحية للزوجين، تستمر لمدة ستة أشهر، لضمان استقرار العلاقة بعد الزواج.
شريف: الكنيسة تحاول دائمًا حل المشكلات الزوجية قبل التفكير في الطلاق، ولكن في بعض الحالات، إذا استحال استمرار الحياة الزوجية بسبب مشاكل كبيرة أو حدوث الزنا، فقد يكون الطلاق ضروريًا. ومع ذلك، فإن معظم الأزواج الذين يلتزمون بتلك الدورات والاستشارات قبل الزواج، لا يواجهون مشكلات تؤدي إلى الطلاق. لذلك، فإن حالات الطلاق بين المسيحيين تعتبر قليلة جدًا أو شبه غير موجودة تقريبًا.
كيف يمكن تحسين التوعية قبل الزواج لضمان استمراريته؟
شريف: اتصال المشورة بالزواج يتمثل في أنها تشبه دورة تدريبية روحية، حيث يمكن أن تتضمن دورات روحانية وزوجية. يُفضل أن يكون الشخص قد التحق بها قبل الزواج بفترة لا تقل عن ستة أشهر، ويفضل قبل ذلك بسنة حتى يكون لديه وعي كافٍ بالمفاهيم التي تناقشها الدورة. المشورة مقسمة إلى مرحلتين: الأولى تسبق الخطوبة، والثانية تسبق الزواج بستة أشهر، وهي المرحلة التي يتم فيها الحصول على شهادة ضرورية لإتمام الزواج. الدورة تهدف إلى توعية المقبلين على الزواج بمختلف المشكلات التي قد تواجههم في الحياة الزوجية وكيفية التعامل معها.
جورجيت: المحتوى يقدَّم بطريقة علمية وعملية، حيث يتم تدريب المشاركين على حل المشكلات بطريقة واقعية، مما يساعد في الحد من معدلات الطلاق. بعد الانتهاء من الكورس الأول، يخضع الشخص للكورس الثاني الذي يُعَدّ خطوة نهائية في التأهيل للزواج.