shababik magazine

حوار: جنة تامر – رضوى صبحي

تكشف الإحصائيات والدراسات الاجتماعية الحديثة عن اتساع ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في مصر للعديد من الأسباب، التي على رأسها الحالة الاقتصادية، وارتفاع تكاليف ونفقات الزواج مما يجعل الارتباط حلما بعيد المنال، وهو ما يعرض الكثير من الشباب للخطر، كما يهدد من حيوية المجتمع وتجدده.. في السطور التالية سعينا لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة للكشف عن أسبابها وتداعياتها وكيف يمكن وضع حلول لها وذلك من خلال حوارنا التالي مع الدكتورة ميسون الفيومي، خبيرة العلاقات الأسرية، وإليكم التفاصيل.

ما أبرز الأسباب التي تدفع الشباب اليوم للعزوف عن الزواج؟

نحن نتحدث عن أسباب كثيرة تختلف حسب الجنس والفئة العمرية، إنما الآن مع ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة أصبحت نفقات الزواج مرتفعة جدًّا، وبالتالي بدأ الشباب لا يُقبلون على الزواج مبكرًا، بل ينتظرون حتى يتخرجوا من الجامعة ويبدأون العمل ويتمكنون من فتح بيت، فارتفع سن الزواج بالنسبة لهم. أما بالنسبة للبنات، فهناك فتيات كثيرات يفضلن إنهاء عملهن، وبعدما يثبتن أنفسهن في العمل، يبدأن بالتفكير في موضوع الزواج.

كيف يؤثر تأخر الزواج على الصحة النفسية والاجتماعية للشباب؟

الزواج، كما خلقه الله سبحانه وتعالى، سُنّة كونية، حيث أن الإنسان له فترة مناسبة للزواج وفترة محددة للإنجاب. فكلما حدث الزواج مبكرًا قليلًا، كلما كان متماشيًا مع الفطرة البشرية التي خلقنا الله عليها. وطبعًا، بما أن سن الزواج بدأ يتأخر، فبالتالي تأخر الإنجاب، وأصبح هناك فجوة كبيرة جدًّا بين الآباء والأبناء من حيث المستوى الفكري والعمري. وهذا ما نقوله دائمًا إن السن المناسب للفتيات أن يتزوجن بعد سن 23 حتى سن 28، وبالنسبة للشباب من سن 25 حتى الثلاثين، ونعتبر ذلك مناسبًا جدًّا للصحة النفسية للإقبال على الزواج.

هل ترين أن العوامل الاقتصادية هي السبب الرئيسي أم أن هناك أسبابًا أخرى؟

لا، لا يمكن اعتبار العامل الاقتصادي سببًا رئيسيًا، لكنه سبب مهم جدًّا. بالفعل أصبح يؤخر سن الزواج، إلا أن هناك أمورًا أخرى كثيرة. قديمًا، كانت الفتاة وهي في الجامعة يمكن أن تتزوج. أما الآن، فقد تغير الفكر، ولم يعد موجودًا لدى الفتيات. فاليوم، الفتاة تقول: “أنا لا أتزوج حتى أنهي دراستي وأعمل، وليس لدي مشكلة إن تأخرت في الزواج”. أيضاً مفاهيمنا عن الزواج تغيرت، وكذلك نظرة الفتيات والشباب له. لم يعد الزواج شيئًا أساسيًّا في الحياة. والدليل أننا نجد أشخاصًا يصلون إلى سن الأربعين وهم رافضون لفكرة الزواج، ولا يسعون إليه بشدة. والأكثر من ذلك أن تفكير البنات قد اختلف عن زمان؛ فالفتاة الآن قد تصل إلى سن الخامسة والثلاثين ولا تتأذى نفسيًّا لكونها لم تتزوج. ولكن بالطبع، كل ذلك يتأثر بالثقافة الاجتماعية للمجتمع والبيئة التي تعيش فيها الفتاة أو الشاب، بالإضافة إلى الأحوال الاقتصادية. لذلك نقول إن هذه العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى تأخر الزواج.

ما الدور الذي تلعبه العادات الاجتماعية والتوقعات الاجتماعية في هذه الظاهرة؟

كما اتفقنا وقلنا سابقًا، عاداتنا وتقاليدنا تتغير مع كل فترة زمنية. قديمًا، كانت الفتاة بعد إنهاء الثانوية العامة تتزوج، وقد لا ترى زوجها كثيرًا بسبب محدودية العلاقات الاجتماعية. لم يكن هناك انفتاح كما هو موجود اليوم، بل كانت الزيجات تقتصر غالبًا على أبناء الجيران أو الأقارب بسبب عدم وجود اختلاط. ولكن مع التقدم في الحياة ومعطيات الحياة الجديدة، بالإضافة إلى عصر التكنولوجيا الذي نعيشه الآن، أصبح هناك زواج أونلاين، حيث يتعرف البعض على بعضهم بعضاً عبر الإنترنت. هذا الانفتاح أدى إلى تغيرات كبيرة. سابقًا، كانت الأسرة تحدد علاقات الزواج ضمن نطاق ضيق، أما اليوم، فأصبح هناك فرص أكبر وأوسع. كذلك، مع ازدياد تعليم الفتيات، ازدادت ثقافتهن، وتحسن مستواهن في اختيار الشريك، ولم تعد فكرة الزواج مرتبطة فقط بالفستان والطرحة. حتى شكل الاحتفال تغير، ففي السابق كانت الأفراح تُقام في المنازل مع احتفالات كبيرة، أما اليوم فقد عاد الشباب إلى إقامة أفراح بسيطة جدًّا، مما يعكس تغير العادات والتقاليد مع مرور الزمن، وهو أمر طبيعي يتماشى مع سُنة الحياة.

ما المخاطر المستقبلية المترتبة على استمرار عزوف الشباب عن الزواج بالنسبة للمجتمع ككل؟

ارتفاع سن الزواج أصبح واضحًا الآن، حيث قد تتزوج الفتاة في سن الثلاثين، والشاب بين الثانية والثلاثين والخامسة والثلاثين، بل إن بعضهم يتجاوز الأربعين. الخوف يكمن في أن التطور التكنولوجي والحياة العصرية قد تسحب الشباب والفتيات بعيدًا عن فكرة الزواج، ومع الأسف الشديد، أصبح الزواج بالنسبة لكثير من الشباب ليس أمرًا أساسيًا في حياتهم، فهم يخرجون ويتنزهون ويتمتعون بالاستقلال المادي، وكذلك الفتيات. لم يعد الزواج ضرورة كما كان سابقًا. المشكلة هنا تكمن في تأثير ذلك على بنية المجتمع؛ فالدول الأوروبية مثلًا فتحت باب الهجرة بسبب تأخر الزواج وقلة الإنجاب، مما أثر على تركيبة مجتمعاتها. المجتمع بدون أطفال وشباب يفتقد لتواصل الأجيال، وبالتالي تتغير ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده الأسرية.

برأيك، كيف يمكن التخفيف من حدة هذه الظاهرة وتشجيع الشباب على الزواج؟

كما ذكرنا أن من أسباب العزوف الحالة الاقتصادية، فإن الحل هو تيسير الزواج للشباب الطموح حتى لو كانت إمكانياته المادية ضعيفة. للأسف، بسبب العادات والتقاليد والمظاهر المادية أصبحت الفتيات تطلب إقامة أفراح كبيرة وشبكات غالية ومهور مرتفعة وتجهيزات منزلية كثيرة، مما يصعب الأمر على الشباب. المشكلة ليست مرتبطة فقط بمستوى اجتماعي عالٍ، بل أحيانًا تكون عند الطبقة المتوسطة أو الأقل، حيث نجد أن هناك إصرارًا على طلب تجهيزات مثل ٧٠ ملاية و٣ أطقم حلل ونيش ضخم للزينة، رغم عدم الحاجة الحقيقية لها. لذلك، يجب أن نغير ثقافة المجتمع ونكتفي بالأساسيات، فليس ضروريًا وجود طقم شاي وقهوة كامل مثلًا. ويجب أن نغرس في الشباب ثقافة أن الفرح يمكن أن يكون بسيطًا بتكاليف معقولة، وأن البيت لا يجب أن يفرش بالكامل من البداية بل يمكن أن يُستكمل مع مرور الوقت. أيضًا، يجب عمل ندوات في الجامعات والمدارس لتعريف الشباب بأهمية تكوين الأسرة، وبأن المجتمع يٌبنى من خلال الأسر، مما يؤدي إلى تحفيز الشباب على الإقبال على الزواج.

ما تأثير العادات والتقاليد على تفاقم ظاهرة العزوف عن الزواج؟

أسباب العزوف حاليًا تتلخص في ارتفاع تكاليف الزواج، حيث أصبحت الشبكة والمهر بمبالغ باهظة. هناك عادات وتقاليد أصبحت تغلب على الالتزام الديني، فالمهر مثلًا من حق الزوجة أن تحتفظ به وليس لتجهيز المنزل. هذا الفهم الخاطئ جعل الشباب يعزفون عن الزواج لأنهم يرونه عبئًا ماديًا كبيرًا. كما أن الشباب يرون ارتفاع نسب الطلاق، حيث أن كثيرًا ممن تزوجوا انفصلوا بعد شهور قليلة بسبب عدم تحمل المسؤوليات، سواء من الشاب أو الفتاة. أصبح الزواج هشًا مبنيًا على الماديات، دون وجود ثقافة تحمل للمسؤولية أو الصبر على الشريك. لذلك، إذا تم تقديم ندوات ودورات للشباب في الجامعات أو عبر وسائل الإعلام، قد يؤدي هذا إلى تحسن الوضع.

ما مخاطر هذه الظاهرة بالنسبة للشباب أنفسهم؟

مخاطر الظاهرة تؤثر على الحالة النفسية والمادية والاجتماعية للشباب، كما تؤثر على الأهالي الذين يرغبون في رؤية أبنائهم متزوجين ولديهم أحفاد. تأخر سن الزواج يؤدي إلى تأخر الإنجاب مما يؤثر على الأسر. كما أن الشباب مع تقدم العمر قد يشعرون أن قطار العمر قد فاتهم، مما يسبب لهم إحباطًا نفسيًا. وإذا حاولوا الدخول في علاقة ارتباط أو خطوبة، قد ينسحبون مع بداية الإجراءات لأنهم تعودوا على العيش بمفردهم. كذلك، يرى الشباب أسباب الطلاق الكثيرة، مثل تدخل الزوجة الزائد في حياة الزوج أو عدم تحمل المسؤوليات، مما يدفعهم إلى تفضيل البقاء أحرارًا بدلًا من أن يشعروا بأنهم محبوسون في قفص الزواج.

هل لديك حلول أو نصائح لحل هذه المشكلة لدى الشباب عمومًا؟

الحلول تتمثل في تغيير ثقافة المجتمع وفكر الأهالي، بأن يقبلوا بالزواج بشقة متواضعة وفرح بسيط. يجب أن يكون هناك قبول بارتباط الفتاة بالشاب المناسب أثناء الدراسة الجامعية إذا كان من عائلة محترمة دون انتظار التخرج، مع تقليل المغالاة في المهر والشبكة والتجهيزات. كما يجب أن يكون لدور العبادة من كنائس ومساجد دور في نشر ثقافة الزواج وأهميته. يجب إعداد دورات تأهيلية للشباب قبل الزواج، ليعرفوا الفرق بين طبيعة الرجل والمرأة، وكيفية التعامل مع الأزمات داخل الحياة الزوجية. كذلك يجب أن تكون العلاقة الزوجية قائمة على أسس المودة والرحمة والسكن، مع غرس القيم الأساسية للأطفال منذ الصغر، لأن الطفل يمثل انعكاسًا لما تربى عليه في أسرته. الأسرة هي النواة الأساسية لتكوين شخصية الطفل والمجتمع، لذا لا بد من إعداد جيل واعٍ يفهم طبيعة الزواج وقادر على بناء أسرة سليمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة