حوار: فاطمة خالد – رضوى صبحي
في قلب مجتمعٍ يتمسك بالعادات والتقاليد، وتحت مظلة ديانة تُقدّس الرباط الزوجي كسرٍّ مقدس، تبرز أزمة الطلاق في المسيحية بمصر كقضية شائكة تُثير جدلاً واسعاً بين تعاليم الكنيسة واحتياجات الواقع المعاصر. فعلى الرغم من أن الطلاق في المسيحية يُعد من المحرّمات، فإن تزايد الخلافات الزوجية وتبدّل أنماط الحياة قد دفع بالعديد من الأزواج إلى أبواب الكنائس والمحاكم، بحثاً عن خلاصٍ قانوني أو روحي. بين العقيدة والتشريع، وبين ما هو ديني وما هو إنساني، تتعقد المشكلة، وتُطرح تساؤلات كثيرة حول حقوق الأفراد، وسلطة الكنيسة، ودور الدولة في تنظيم العلاقات الشخصية. في الحوار التالي مع الخبير نادر الصيرفي، محامي الأحوال الشخصية، نُلقي الضوء على أبعاد هذه الأزمة، جذورها، تداعياتها، والمحاولات الجارية لإيجاد توازن عادل بين الإيمان والواقع.. وإليكم التفاصيل.
متى يكون الطلاق مسموحاً للمسيحيين في مصر وفقًا لقوانين الأحوال الشخصية؟ وهل يختلف حسب الطائفة؟
الطلاق عند المسيحيين في مصر له شروط معينة، ويختلف حسب الطائفة التي ينتمي لها الزوجان عمومًا، والقانون الحالي يحدد سببين رئيسيين للطلاق للمسيحيين المتحدين في الملة والطائفة، وهما: الزنا – سواء كان زنا فعليا أو زنا حكمياً (وهو يعني تصرفات أو دلائل قوية تثبت الخيانة دون وجود حالة تلبس واضحة). والسبب الثاني يتمثل في تغيير الدين – يعني لو أحد الزوجين غيّر دينه أو انضم لطائفة مسيحية ثانية، هنا يحق للطرف الثاني طلب الطلاق. أما لو كان الزوجين مختلفين في الملة أو الطائفة، فيتم تطبيق الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية، وبذلك يكون من حق الزوج رفع قضية طلاق، والزوجة تستطيع أن ترفع قضية خلع.
ما الفرق بين الطلاق بين المسيحيين في 2025 وقبل عام 2008؟
قبل 2008، كانت هناك لائحة اسمها “لائحة 1938”، وكانت تسمح بالطلاق لأسباب أكثر، مثل: الفرقة لمدة 3 سنوات، والسجن الطويل، والضرر والاستحكام. لكن بعد تعديل اللائحة سنة 2008، تم تقليل أسباب الطلاق بشكل كبير وبقى مقتصرا على الزنا أو تغيير الدين.
هل يختلف الطلاق بين الطوائف؟
نعم يختلف بالتأكيد، كل طائفة لها نظامها: الأرثوذكسية: الطلاق يقع في حالتين (الزنا أو تغيير الدين). وفي الكاثوليكية: لا يوجد طلاق نهائي، لكن هناك ما يمسى “بطلان الزواج”، وهذا يتم في حالات معينة لما الكنيسة تعتبر الجواز كأنه “لم يكن” من الأساس، أما الإنجيلية فتسمح بالطلاق في حالة الزنا فقط.
ما الفرق بين الطلاق المدني والطلاق الكنسي؟
ليس هناك ما يسمى “طلاق مدني” و”طلاق كنسي”، فأي طلاق يتم في المحكمة يُسمى طلاق مدني. لكن المشكلة أن الكنيسة لا تعترف بأي طلاق إلا لو كان للزنا أو تغيير الدين، ولذلك فإن من يحصل على الطلاق المدني لا يأخذ تصريح زواج إلا لو الكنيسة اعترفت بالطلاق. وفي 2015، المجمع المقدس قرر أن الكنيسة يمكنها أن توافق على الطلاق لو كان الزوجان منفصلين لمدة 3 سنوات بدون أولاد، أو 5 سنوات لو عندهم أولاد، لكن هذا يقع داخل الكنيسة فقط، والمحكمة لا تأخذ به إلا في حالات الزنا أو تغيير الدين.
ما أكبر مشكلة تواجه المسيحيين في الطلاق؟
الطلاق عند المسيحيين صعب جدًا لأن القانون الحالي يشترط إثبات الزنا، وهذا أمر معقد في المحكمة. كما أن التحويل لطائفة ثانية للحصول على الطلاق ليس سهلا، لأن الطائفة الجديدة لازم توافق رسميًا، وهذا يتطلب إجراءات كثيرة، منها تقديم تبرع مالي وغيره.
وقبل 2008، كان المسيحيون يحصلون على الطلاق من المحكمة لكن الكنيسة لم تكن تعترف به، لكن الوضع الآن أصبح معكوساً، الكنيسة ممكن توافق على الطلاق بسبب الهجر، لكن المحكمة لن تقبل غير في حالة الزنا، فأصبح الطلاق أصعب في المحكمة وأسهل في الكنيسة.
هل ساهمت القرارات الجديدة في تسهيل الطلاق؟
كما ذكرت، فإن لائحة 1938 وسّعت أسباب الطلاق، لكن بعد التعديلات التي حصلت، أصبح الوضع أكثر تعقيداً. حاليًا، القرارات الجديدة خلقت بعض التسهيلات في المحكمة، لكن المشكلة لاتزال موجودة، لأن القرارات لم تصبح قوانين ملزمة. هناك محاولات لجعل التحريض على الزنا سبباً للطلاق، وبدأت بعض المحاكم تأخد بهذا المبدأ، لكن المشكلة أن الإثبات أمام المحكمة ليس سهلاً. وهناك مثال على ذلك حيث أن المحكمة وافقت على أن الهجر المتعمد ممكن يكون تحريضاً على الزنا، لكن في حالة كان الزوج مسجوناً، المحكمة قالت إن هذا هجر خارج عن الإرادة، فرفضت الطلاق. إنما لو كان الهجر متعمداً، فهذا يُعتبر سبباً للطلاق.
ما أهم المشكلات التي تواجه المسيحيات عندما يطلبن الطلاق؟
أكبر مشكلة هي إن كسب قضايا الطلاق في المحكمة ليس سهلاً مطلقاً، لأن القانون لا يعطي أسبابا كثيرة واضحة للطلاق. وتضطر الزوجة لرفع أكثر من قضية في نفس الوقت حتى تثبت أحقيتها في الطلاق. غير ذلك، الكنيسة تطلب تبرعات عالية لإنهاء إجراءات الطلاق، وهذا أصبح عبئاً إضافياً على السيدات.
هل يمكن أن يكون العنف الزوجي سبباً للطلاق؟
بالنسبة للعنف الزوجي، فالموضوع أصبح صعباً بعد إلغاء لائحة 1938 سنة 2008. الآن، حتى لو الزوج ضرب زوجته، فإن المحكمة لا تعتبر ذلك سبباً للطلاق، لكن ممكن يتحاكم جنائيًا ويُسجن. يعني، الزوجة ممكن تحصل على حكم بسجن جوزها، لكن تظل زوجته غصباً عنها!
كيف ترى إمكانية توحيد قوانين الأحوال الشخصية بين الطوائف المسيحية؟
توحيد قوانين الزواج والطلاق بين الطوائف المسيحية في مصر موضوع شائك. لو الزوج والزوجة من طوائف مختلفة، فإن الشريعة الإسلامية هي التي تُطبق للحكم بينهما في هذا الحالة. لكن لو كانا من نفس الطائفة، فإن الكنيسة هي التي تحكم بينهما. وهذا الوضع تسبب في خلق مشكلة كبيرة في الطلاق، لأن الكنيسة الكاثوليكية أصلًا لا تعترف بالطلاق نهائيًا. ولذلك هناك اقتراحات بأن يكون هناك فصل بين الطلاق المدني والطلاق الكنسي. مما يعني أن المحكمة تستطيع أن تحكم بالطلاق لأسباب قانونية، لكن الكنيسة هي التي تعطي تصريحاً بالزواج الثاني. وهذا من الممكن أن يكون حلاً جيداً.
هل سيؤدي تسهيل الطلاق إلى الحد من المشكلات الأسرية أم سيتسبب في زيادتها؟
الحقيقة، وجود قوانين واضحة للطلاق لن يتسبب في زيادة المشكلات الأسرية، بالعكس، ممكن يقللها. لأن لو الطلاق صعب جدًا، سيجعل بعض الأزواج يتمادوا في العنف أو الاستغلال، لأنهم يعرفون أن الطرف الثاني لن يكون قادراً على الخروج من العلاقة بسهولة.
يعني مثلًا، لو الزوج عنيف ولا يوجد قانون يعطي لزوجته الحق في الطلاق، فإنه سيواصل العنف. ونفس الفكرة لو الزوجة ممتنعة عن حقوق زوجها بدون سبب، وزوجها لا يستطيع أن يثبت ذلك، فإن هذا الوضع سيجعل المشكلات بين الزوجين أكثر حدة واشتعالاً. لو كانت هناك أسباب طلاق واضحة مثل الهجر، العنف، أو استحالة العيش مع بعض، فإن الأزواج سيفكرون ألف مرة قبل افتعال أي أزمات فيما بينهم.
هل هناك حلول قبل أن يصل الطرفان لطريق مسدود؟
أكيد الطلاق لازم يكون آخر حل، وليس أول حاجة نفكر فيها. فالأصل في الزواج أن يستمر، وبالتالي يجب أولا أن نحاول الإصلاح، سواء من خلال الكنيسة، أو الأهل، أو حتى متخصصين في حل المشكلات الزوجية. لكن لو فشلت كل المحاولات، وأصبح الزواج مستحيلا، يصبح الطلاق هو الحل الوحيد. طبعاً
ليس مطلوباً من القوانين أن تشجع الناس على الطلاق، لكن يجب أن تحمي الناس من العلاقات التي ليس لها فرصة للنجاح. يجب أن تكون هناك أسباب طلاق منطقية مثل العنف، الهجر، أو استحالة العيش مع بعض، حتى يستطيع أن طرف متضرر أن يخرج من العلاقة بشكل قانوني، خصوصًا النساء اللائي يعانين بسبب القوانين الحالية.