shababik magazine

كتب: جنة تامر – رضوى صبحي

الأزياء ليست مجرد أقمشة، بل انعكاسٌ مباشر لروح العصر، وثقافته، وطريقة تفكير كل جيل. في مصر، شهدت موضة الشباب عبر العقود تحولات كبيرة، من الانفتاح البسيط في سبعينيات القرن الماضي إلى التنوع الشديد في 2025. هذا التقرير يتناول رحلة الموضة من الشارلستون إلى البنطلون الباجي، ومن ألوان الباستيل إلى «المونوكروم»، مستعرضًا كيف عبّر كل جيل عن نفسه من خلال الملابس.

زمن التمرد الناعم

رغم أن السبعينيات كانت فترة مضطربة سياسيًا واقتصاديًا في مصر، إلا أن الشباب وجدوا في الموضة وسيلة للتعبير عن التمرد وكسر القيود. كان البنطلون الشارلستون (الذي يتسع عند أسفل الساق) نجم تلك الحقبة، يرتديه الشباب مع قمصان بياقات عريضة أو جاكيتات ضيقة. كانت الفتيات يرتدين التنورات القصيرة، أو ما يُعرف حينها بـ”الميني”، في إطار تقليد عالمي شمل أوروبا وأمريكا وتأثر به شباب المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية.

الشعر الطويل والنظارات الكبيرة

شكل الشعر كان جزءًا من الموضة، فالرجال أطلقوا شعورهم، والفتيات لجأن إلى تسريحات منفوخة على طريقة الفنانات. النظارات الشمسية الكبيرة كانت من أبرز مكملات الأناقة، وعبّرت عن ميل الشباب إلى التميز والتفرد.

الألوان

تميزت ألوان السبعينيات بالجرأة، فبرزت درجات البني، البرتقالي، الأصفر، والنبيتي. غالبًا ما كانت الإطلالات خليطًا من طبعات الأزهار والمربعات، وهي انعكاس لروح “الهيبيز” العالمية التي وصلت صداها إلى بعض فئات الشباب المصري.

موضة 2025

موضة جيل اليوم تختلف جذريًا، ليس فقط في الشكل وإنما في الفلسفة. لم تعد الموضة تمليها المجلات أو دور الأزياء، بل أصبح “التيك توك”، و”إنستغرام”، و”الانفلونسرز” هم من يحددون الاتجاهات.

الباجي والكارغو والأوفر سايز

انتشرت بين الشباب موديلات “الأوفر سايز”، أي الملابس الواسعة التي تمنح إحساسًا بالراحة. البنطلون “الباجي” و”الكارجو” صار عنصرًا أساسيًا، يعكس الروح العملية وميل الشباب إلى التحرر من القوالب التقليدية.

ستايل الشارع   Street Style

الشارع أصبح منصّة عرض حقيقية. تجمعات الشباب في الجامعات أو المولات تشبه عروض أزياء مفتوحة، حيث تمزج الإطلالات بين الرياضي، والكاجوال، والمستوحى من ثقافات مختلفة مثل الهيب هوب واليابانية الكاجوال.

البيبي بلو

رغم بقاء الأسود والأبيض كخيارين أساسيين، إلا أن ألوان النيون، والبنفسجي، والبيبي بلو، والبيج، والرمادي الباهت انتشرت بقوة. تتجه الموضة الآن نحو البساطة والاختزال، لكن مع جرأة في اختيار القطع غير المتوقعة.

الإكسسوارات كوسيلة تعبير

أصبحت الإكسسوارات وسيلة لإظهار الميول الفنية أو الانتماءات الفكرية، من خلال الحقائب الملونة، القبعات، الأحذية الرياضية الضخمة، أو حتى الوشوم المؤقتة.

من يُحدد الموضة؟

في السبعينيات، كانت الموضة تتشكل من خلال الأفلام، المجلات، أو التقليد الأعمى للغرب. اليوم، الأمر بات معكوسًا، حيث يصنع كل شاب موضته الخاصة. مواقع التواصل الاجتماعي جعلت من كل فرد مؤثّرًا، ومع الانتشار الكبير لمواقع الشراء الإلكتروني، أصبح بوسع أي شاب في أسيوط أو طنطا أن يرتدي ما يرتديه نجوم كوريا أو باريس في الوقت نفسه.

ويرى علماء الاجتماع أن جيل السبعينيات كان يسعى للانتماء الجماعي (غالبًا ضمن جماعات ثقافية أو أيدولوجية)، أما جيل 2025 فهو يفتخر بالاختلاف ويبحث عن التفرد. لا عجب أن نرى شابًا يرتدي قميصًا بطابع تقليدي مع بنطلون رياضي، أو فتاة تمزج بين الحجاب العصري وستايل البانك.

في الماضي، كان معظم الشباب يشترون ملابسهم من الخياط أو الأسواق المحلية. اليوم، ماركات عالمية مثل Zara، H&M، أو حتى Shein تحدد تفضيلات الشباب، بجانب صعود ملحوظ للبرندات المحلية الناشئة التي تحاول تقديم “هوية مصرية عصرية”.

ولا تزال الموضة في مصر تحتفظ بخصوصية فريدة. فهناك مزيج لافت بين الأصالة والمعاصرة، بين التقليدي والجريء. بل إن بعض المصممين الشباب يحاولون إعادة إحياء أنماط قديمة بطريقة جديدة، كتوظيف خامات من ملابس السبعينيات في تصاميم حديثة.

من الشارلستون إلى البنطلون الكارغو، ومن الأقمشة الثقيلة إلى الأنسجة المريحة، قطعت موضة الشباب المصري شوطًا طويلًا. لكن الثابت الوحيد هو أن الشباب سيظلون دائمًا يعبرون عن أنفسهم من خلال أزيائهم بما يناسب عصرهم، أفكارهم، وهويتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة