shababik magazine

تحقيق: جنة تامر – عبدالرحمن رمضان

نشرت صحيفة “الديلي ميل” البريطانية، دراسة علمية حول مخاطر العزوف الإرادي عن الزواج حتى سن متأخر من العمر، فقد أكدت الدراسة أن العزوبية أو “السنجلة” تتسبب في إصابة الأشخاص بأزمات نفسية وجسدية مع بلوع سن الخمسين دون زواج.. هذه الدراسة تُلقي بظلالها على الانتشار المريب لدعوات “أنا شاب سنجل” والتي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، لدرجة أن أصحاب هذه الدعوات أو من يطلقون على أنفسهم “السناجل” يعيشون في عالم خاص داخل هذه الجروبات الافتراضية ويمتنعون عن التواصل مع المتزوجين على السوشيال ميديا.. في هذا التحقيق نتولى مهمة الكشف عما يدور داخل هذه الجروبات، وما هو موقف الدين منها؟ وما هي مخاطر “السنجلة” الاختيارية على الصحة النفسية والجسدية؟ وكيف يمكن مواجهة هذه الدعوات من خلال التوعية؟ وهل “السنجلة” فعلا مجرد اختيار أم كما يقول التعبير الدارج “قُصر ديل”؟!.. التفاصيل في السطور التالية: 

آلام الوحدة

في البداية، ووفقا لتقرير الصحيفة البريطانية حول هذه الدراسة، فإن الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم عند تقدمهم في العمر، يعتمدون على تناول الأطعمة السريعة، لأنهم ليس لديهم رغبة في طهي الأطعمة، ولأنهم ليس لديهم شركاء في الحياة يتناولون الطعام معهم، وبالتالي يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين، كما أنهم يعانون من العزلة ويكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الحاد. يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه دراسة طبية جديدة لجامعة “كوينز لاند” الأسترالية، أن الشعور بالوحدة الناتجة عن غياب شريك الحياة يزيد من خطر الوفاة بنسبة 30% عند الذين يعانون منها في سن الـ35 مقارنة بمن يمتلكون علاقات اجتماعية وأسرية ناجحة.

اختراق جروبات السناجل

ورغم هذه الحقائق التي ربما لا تحتاج لدراسات لتأكيدها، فإن هناك شيوع مريب لجروبات السناجل والعزاب على مواقع التواصل الاجتماعي.. “شبابيك” قررت أن تخترق بعض هذه الصفحات، حيث يمتليء موقع الفيس بوك بصفحات وجروبات تحتشد بالآلاف الأعضاء، الذين أعلنوا أنهم يرفضون الارتباط رفضا كليا، وبعض هذه الجروبات تضع شروطا صارمة للمنضيمن إليها وأهم هذه الشروط ألا يكون الشخص متزوجا وفي حالة العلم بزواجه يتم حذفه فورا من الجروب، إلا أن هناك جروبات كثيرة وهمية هدفها إسقاط الفتيات وإقامة علاقات مشبوهة وإقامة “شات” مع مطلقات أو أرامل.. هذا ما يؤكده حسن غريب، (33 سنة) أعزب، وعضو بأحد هذه الحروبات، حيث يقول: هناك سناجل تخطوا سن الثلاثين ويرفضون الزواج تماما رغم مقدرتهم المادية وهؤلاء ينشطون على هذه الجروبات، وذلك لإن لديهم فكرة سلبية عن الزواج، حيث يعتقدون أن الزواج “سجن” سيحرمهم الدخول فيه من الحرية ومتع الحياة ومن إلتقاء الأصحاب والجلوس على الكافيهات، فمثلا بعضهم كان لديه أصدقاء وتزوجوا ومن وقتها وهم لا يجلسون على المقاهي مثلما كانوا يفعلون وهم عزاب واختفوا من الحياة.. فهؤلاء مثلا يعطون نماذج حية للعزاب بأن الزواج معناه أن تفقد حريتك، أيضا بعض العزاب يرفضون الارتباط لإنهم يبحثون عن نموذج غير موجود للفتاة التي يريدون الارتباط بها، فهم مثلا يبحثون عن فتاة لا تناقش ولا تجادل ولا تتعامل بمنطق الند بالند، فتاة مثل نموذج “الأم” الذي خرجنا للحياة ووجدناه حيث وجدنا أمهاتنا وهن يتعاملن مع آبائنا بطريقة أخلاقية جدا، فالأم لم تكن تناقش وتقول حاضر باستمرار.. وهذا النموذج بطبيعة الحال لم يعد موجودا.

ويضيف حسن أن السبب الرئيسي في رفض الارتباط لدى السناجل هو أسلوب حياة المتزوجين، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الطلاق والمشاكل الدائمة بين الزوجين، وحالة النكد الزوجي المستمرة، فضلا عن ارتفاع تكاليف الزواج نفسها، وطريقة تعامل أهل البنت مع الشاب الذي يتقدم للزواج بأن يقدم كل فروض الطاعة والولاء والتي تتمثل في ضرورة أن يكون عنده إمكانيات ووظيفة ثابتة أو على الأقل دخل ثابت وشقة مناسبة سواء تمليك أو إيجار وبعد ذلك الوضع الاجتماعي المناسب، أما المؤهل العلمي فلم يعد مهما، فلو كان الشاب حاصل على دبلوم ولكن عنده إمكانيات سيجد الطريق سهلا ومقبولا أكثر من الشاب الحاصل على الدكتوراه وليس لديه إمكانيات.

أما شادي أحمد (35 سنة) بكالوريوس علوم، وعضو بأحد جروبات السناجل، فيؤكد من خلال تجربته، أن صفحات السناجل على الفيس بوك تضم أرامل ومطلقات وعزاب من مختلف الأعمار، والامتناع عن الزواج قد يكون مبدأ لكن ليس مهما أن تعلن عنه، ومن هنا فإن الذين يفتخرون بأنهم شباب سنجل على الفيس بوك هم كاذبون ومدعون، فالموضوع أشبه بالترند وكل شاب يريد أن يركب الترند، والسنجل ليس معناه أنه يرفض “الصنف” كله أو يرفض التعامل مع البنات عموما، وإنما الفكرة أنه يرفض الارتباط الرسمي، وبعض السناجل يتراجعون عن هذه المبدأ ويقررون الزواج قبل الوصول لسن الأربعين عندما يجد الفتاة التي يبحث عنها والتي يجب أن تتوافر فيها مجموعة شروط من أهمها ألا تناقشه في شيء وأن تتركه يتعامل براحته ويسهر براحته مع إصدقائه.     

أضرار نفسية لا حصر لها

من الناحية النفسية والسيكولوجية، يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن للعزوبية أضراراً لا حصر  لها، حيث يقول الدكتور إبراهيم مجدي، أخصائي الطب النفسي: “السناجل” هم شباب “عجباهم حياتهم كده من غير زواج” وبلا مسئوليات أو نكد أو ضعوطات مادية وحياتية، لكن هؤلاء يدفعون ثمنا فادحا عندما يتجاوزون سن الخمسين، حيث تتفكك شبكة التواصل الاجتماعي التي كان يستند إليها في حياة العزوبية فمثلا يتوفى أغلب أقاربه كأمه وأبيه وبعض الأشقائه كما يفقد أغلب الصداقات التي كونها على المقهى نتيجة ارتباط كل الناس المحيطين به بأسر ناجحة بحيث أصبح لديهم أبناء ومسئوليات وأحفاد وأصبحوا غير متفرغين للجلوس مع أصدقائهم القدامى، وهكذا يجد نفسه وحيدا في الحياة وفي السكن وحتى في كل مصلحة يريد أن يقضيها، كما أنه مع الوقت يفقد الإحساس بمتعة الحرية التي عاش من أجلها عازبا حيث إنه أكل ما يريد وجلس على الكافيه بما يكفي وقضى سهرات طويلة دون مسئولية وعمل كل كان يتمناه من فسح وسفريات وخروجات ومن هنا يشعر بالملل الشديد لأنه تشبع من هذه الحياة.. ومن هنا يحاول يصاحب شباب أصغر منه فيفشل ويحاول إقامة علاقات اجتماعية أخرى فلا يجد من يشاركه حياته أو همومه، فيصاب مع الوقت بالعزلة الشديدة، وتبدأ هرموناته تتأثر بشكل سلبي، وذلك لأن الزواج جزء منه هرموني وجزء آخر بيولوجي وبالتالي طاقته ستتراجح ويصبح مع الوقت غير قادر على أن يخدم نفسه، ويضطر أيضا لشراء طعامه وشرابه من الخارج في صورة وجبات سريعة وهذا معناه أنه سيكون عرضة للكوليسترول والدهون الثلاثية والضغط والسكر وانسداد شرايين، فيبدأ يعتمد على أدوية السيولة والضغط.

ويواصل مجدي حديثه، قائلا: غالبا ما يصاب العازب – عن قصد ودون عذر مادي أو جسدي- بعد الخمسين بأمراض نفسية عديدة حيث يفقد الشعور بمتعة الحياة، فلا تكون عنده رغبة في الخروج أو النزول من البيت، ولا يريد أن يتكلم مع أحد، وعندما يقرر أن يتزوج فجأة فإن الخيارات المتاحة أمامه تصبح ضيقة للغاية، فربما لا يجد أمامه إلا أرملة أو سيدة تعادله في السن، كما أنه في العادة يكون شخصا مصابا بعقد نفسية كثيرة، حيث يترتب على العزوف عن الزواج أن تتراكم الرغبات المكبوتة بداخله، فيصاب بالتوتر المستمر والحاجة للعلاقة الحميمة التي لا يجد مخرجا شرعيا لها.. ومن هنا فإن الزواج خير علاج لهذه الحياة مهما كانت المسئويات، فالارتباط بأسرة ناجحة ووجود شريكة حياة وأولاد يجعل الإنسان يشعر بقيمته ودوره في الحياة.       

شراركم عزابكم

وحول رأي الدين، يقول الشيخ أحمد عبدالحميد، إمام وخطيب بالأزهر الشريف، إن العزوف الاختياري عن الزواج رغم القدرة عليه هو حرام شرعا تحريما قاطعا، لقوله صلى الله عليه وسلم “النكاح سنتي ومن رغب عن سنتي فليس مني”، وقال أحد الصالحين “لو لم يبقى في عمري إلا عشرة أيام لكرهت أن ألقى الله وأنا عازب”، وقال النبي أيضا “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”، وهذا معناه إنه طالما أنك قادر على الزواج وتكاليفه فإن الزواج بالنسبة لك أمر واجب وتكليف، وإن لم تكن قادر على الزواج ماديا أو بدنيا فالزواج ليس واجب عليك، والزواج أيضا مفتاح الرزق، فالزواج غريزة  ولا يصح مطلقا الدعوة لمقاطعته أو التفاخر بالعزوف عنه مثلما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه الغريزة التي لا تخرج في الحلال فسوف تخرج في الحرام، وأصحاب مثل هذه الدعوات لا يعرفون أنه لا “رهبانية” في الإسلام، وأنه وفقا لقول رسال الله “شراركم عزابكم” أي لا عزوبية أو عزوف عن الزواج مهما كان، مادام الإنسان قادرا على الزواج.

ويضيف عبدالحميد: أما أنه بالنسبة للفتيات فإن الزواج بالنسبة لهن أيضا واجب شرعي طالما جاءها الشاب الكفء الذي يستطيع أن يلبي احتياجاتها وحقوقها، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم “ثلاثة لا يؤخرن .. الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والإيم إذا وجدت كفئا” أي الفتاة إذا وجدت شابا صالحا تحقق فيه قول رسول الله “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه” بمعنى أن الفتاة لا يجب أن تمتنع عن الزواج طالما جاءها عرض مناسب للارتباط.    

قلق وتشكيك

أما عن التحليل الاجتماعي فتقول د. عزة كريم- أستاذة علم الاجتماع ومستشارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية-: الحقيقة الواقعية تؤكد أنه ليس خوفا من الزواج، ولكنه عدم قدرة على إتمام الزواج بسبب كثرة مسئولياته، فمن الممكن أن يكون الرجل أو المرأة يريدون الزواج ولكنهم يخافون من المسئوليات التالية لهذه الخطوة، بجانب التشكك في بعض الأحيان من نجاح تجربة الزواج بسبب عدم القدرة أيضا على تحمل هذه المسئوليات في الوضع الحالي الذي نعيشه، فالزواج غريزة من الغرائز، ولكن إتمامه يتطلب مسئوليات كثيرة والشباب غير قادر على القيام بها سواء مسئوليات اقتصادية أو اجتماعية، هذا بجانب الشعور بعدم الأمان من مستقبل العلاقة بسبب الخوف من تغير الظروف الاقتصادية أو افتقاد العمل أو عدم القدرة مستقبلا على الوفاء بالمسئوليات، فهناك قلق بشكل عام من العيش في المستقبل، كل ذلك بجانب أن الإعلام يساهم مساهمة كبيرة جدا في خوف الرجال والنساء من الزواج، بسبب الترويج لزيادة نسبة الطلاق، فمن ضمن الأشياء التي تجعل الشخص يقلق من الزواج أن تكون النتيجة الطلاق، فهناك نوع من التقصير الرهيب من الإعلام الذي يعمل على تخويف الناس من الطلاق، ولا يوجد مسلسل إلا وبه طلاق أو تهديد به، وأصبحت كلمة الطلاق موجودة بشكل شبه دائم في الإعلام، وهذا عندما يتردد كثيرا يجعل الإنسان يستسيغ كلمة الطلاق ويجعلها حاجة طبيعية، وبالتالي أصبح التليفزيون عامل مهم جدا في قلق الشباب من الإقبال على الزواج، فيجب التوعية بقيمة الزواج والتغيرات الاقتصادية التي يجب أن يقوم بها الإنسان وتقليل نفقات الإعداد للزواج، فهؤلاء من يخافون من الزواج يحتاجون إلى توعية حقيقية، ولكن الظروف المحيطة بهم تجعلهم يخافون من الطلاق وفشل العلاقة أو الخوف من الظروف الاقتصادية التي لا تسمح باستكمال العلاقة، فعلى المجتمع أن يغير مفاهيمه لمستلزمات الزواج ومسئولياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة