shababik magazine

فهد كريم

في كل شارع وحارة في المدن المصرية، وفي الكثير من الأحياء الشعبية بل وحتى الراقية، تظهر بين حين وآخر ظاهرة مقلقة تهدد الأمن المجتمعي وتخدش أمن وسلامة الناس.. إنها ظاهرة البلطجة، أو كما يسميها البعض “استعراض القوة” في غير موضعها، من شبابٍ متهور يحمل السلاح الأبيض ويعتدي به على المارة أو يشتبك به مع أشخاص آخرين مما يتسبب في ترويع الآمنين وإرهاب المواطنين.

البلطجة ليست ظاهرة جديدة، لكنها تصاعدت في السنوات الأخيرة، حيث وجد البعض في غياب الردع فرصة لفرض سلطته بقوة السلاح والعنف.

في الشارع وفي المواصلات وفي الخلافات العائلية، وحتى على الأرصفة والأسواق، صار مشهد الشاب الذي يحمل “سنجة” أو “مطواة” ويتفاخر بقدرته على “الضرب والسحل” أمرًا مألوفًا، بل يخشى منه الناس، مما يعيد إلى الأذهان مشهد الفتوى في الحواري المصرية في مطلع القرن الماضي.

ولا تقتصر خطورة البلطجة على الأذى الجسدي فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيرها المدمر على المجتمع ككل. المواطن لم يعد يشعر بالأمان وهو يسير في الشارع ليلاً أو حتى نهارًا. أصحاب المحلات يدفعون “إتاوات” في صمت، خوفًا من الانتقام. الفتيات والنساء يتعرضن للتحرش أو التهديد، وفي بعض الأحيان يُفرض عليهن الصمت بدافع الخوف من الفضيحة أو الانتقام.. هذا هو الوجه القبيح لظاهرة البلطجة التي تتطلب أن تقوم الدولة والأجهزة الأمنية بواجباتها لحماية المواطنين.

ورغم جهود الدولة في مواجهة هذه الظاهرة من خلال الحملات الأمنية، وملاحقة الخارجين عن القانون، إلا أن الحقيقة المؤلمة هي أن البلطجة ما زالت تنتشر وتتصاعد، وربما السبب الرئيسي في ذلك هو صمت المجتمع نفسه. فكم من بلطجي نعرفه في منطقتنا ونسكت عنه؟ كم من موقف رأيناه وتجنبنا التدخل فيه؟ هذا الصمت هو ما يجعل البلطجي يتمادى، ويشعر بأنه أقوى من الدولة والمجتمع معًا.

ومن هنا يأتي الرأي الحاسم فالبلطجة لا يجب أن تواجهها الدولة وحدها، بل يجب أن ينهض المجتمع كله في مواجهتها. على الأهالي أن يربّوا أبناءهم على احترام القانون، لا على التفاخر بالعنف. على الجيران أن يقفوا صفًا واحدًا في وجه من يهدد أمنهم. وعلى المدارس والمساجد والكنائس أن تؤدي دورها في بناء وعي حقيقي بخطورة العنف.

أما الدولة، فعليها أن تستمر في حملاتها الأمنية، لكن الأهم من ذلك هو القضاء على البيئة التي تنتج البلطجية: البطالة، الجهل، غياب العدالة الاجتماعية، وتدني مستوى التعليم.

ومع الأسف أيضاً فإن الشاب الذي يرى نفسه مهزومًا اجتماعيًا، يبحث دائمًا عن وسيلة بديلة لفرض وجوده، وغالبًا ما تكون هذه الوسيلة هي العنف.

البلطجي لا يخشى القانون بقدر ما يستغل ضعف الناس. فإذا أصبح المواطن نفسه رادعًا وقوياً، سقطت قوة البلطجة تلقائيًا. وإذا تضافرت جهود الدولة والمجتمع، يمكننا أن نستعيد شوارعنا، ونُعيد للشارع المصري هيبته وأمانه المعروف عنه في العالم كله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة