shababik magazine

فرح جلال

رغم أننا نعيش بالقرن الواحد والعشرين، حيث تحوّلت المرأة إلى شريكة فاعلة في العمل والتعليم والسياسة، إلا أنه لا تزال المرأة المطلقة في المجتمع المصري تواجه نظرة اجتماعية قاصرة، تحاصرها بالأحكام المسبقة، وتضع حولها جدارًا من الشك والوصمة، وكأن تجربة الطلاق تمس كرامتها أو تقلّل من قيمتها.

في أذهان كثير من الناس، لا تزال كلمة “مطلقة” لا تُقال إلا بنبرة خافتة أو همسة جانبية، يتبعها سيل من الأسئلة: “هي اللي طلبت الطلاق؟”، “ليه سابته؟”، “أكيد فيها حاجة غلط”، متناسين أن الطلاق قد يكون قرارًا ناضجًا وضروريًا لحماية الصحة النفسية والكرامة، وأن فشل الزواج لا يعني فشل الإنسان.

لكن الحقيقة المؤكدة أن المجتمع لا ينسى ولا يغفر بسهولة.

من أبرز ما تعانيه المرأة المطلقة في مصر هو أن المجتمع لا يمنحها فرصة للبدء من جديد بسهولة. بل يتمسّك بلقب “مطلقة” ويضعه على جبينها مهما طال الزمن.

وتتحول المرأة بعد الطلاق من شخص عادي إلى كائن تحت المراقبة، تُفحص تصرفاتها، وتُفسّر نواياها، وتُحكم عليها حتى في أبسط تفاصيل حياتها.

كثير من النساء المطلقات يتحدثن عن شعور دائم بأنهن “تحت المراقبة”، سواء في العمل، أو في الشارع، أو في الدوائر الاجتماعية، حيث يُنظر إليهن بنوع من الريبة أو الفضول الزائد. ولسان حال أي مطلقة الآن يقول: “بعد الطلاق بدأت أحس إن كل خطوة بعملها محسوبة عليا. الناس بقت تراقب لبسي، خروجي، علاقاتي بزمايلي، وكأنهم مستنيين أي غلطة عشان يقولوا: أهو، علشان كده اتطلقت!”.

الأمر المؤسف فعلا أن الرفض المجتمعي لا يأتي من الرجال فقط، بل أحيانًا من النساء أنفسهن. بعض الزوجات يفضلن عدم وجود مطلقة وسط دوائرهن خوفًا على أزواجهن، وكأن المطلقة ستخطف الرجل لمجرد أنها لم تعد متزوجة! هذه النظرة لا تُهين المطلقة فقط، بل تهين النساء عمومًا وتختزل العلاقات في شك وغيرة وسطحية.

أما الرجال، فكثير منهم ينظر إلى المرأة المطلقة كأنها “فرصة سهلة”، أو كأنها تبحث عن أي علاقة بديلة، وهذا ما يجعل بعض المطلقات يتجنبن أي تواصل اجتماعي موسّع حتى لا يُساء فهمهن.

هل تتغيّر النظرة؟

رغم هذا الواقع، هناك مؤشرات على تغيّر في بعض فئات المجتمع، خاصة بين الأجيال الأصغر سنًا، الذين أصبحوا أكثر تقبلاً لفكرة الطلاق كأمر طبيعي، لا يستحق الشفقة ولا الاستهجان. كما ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في خلق مساحة للتعبير عن تجارب النساء، وكسر حاجز الصمت، ما ساعد في إعادة تشكيل الوعي العام تدريجيًا.

إن نظرة المجتمع للمطلقة مرتبطة بثقافة الخوف من استقلال المرأة. المجتمع يُفضل دائمًا المرأة المرتبطة، لأنها في نظره تحت السيطرة، أما المطلقة فهي حرّة وهذا ما يزعج الثقافة الذكورية في المجتمع.

إن المرأة المطلقة ليست أقل شأنًا، بل في كثير من الأحيان أقوى من غيرها، لأنها خاضت معركة مع مجتمع لا يرحم، وخرجت منها بوعي واستقلال. نظرة المجتمع إليها لا تكشف فقط عن موقفه من الطلاق، بل تكشف عن عمق مشاكله مع حرية المرأة وحقها في تقرير مصيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة