shababik magazine

علي خالد

المصريون طوال تاريخهم معروفون بصفات إنسانية جميلة، وفي مقدمتها “الشهامة”؛ تلك القيمة التي تتجاوز مجرد الكلمات لتظهر في أفعال نبيلة تعكس أصالة المعدن المصري وطيبة القلب والجدعنة في المواقف الصعبة مع الآخرين. وهي صفة ليست موجودة في الكثير من الشعوب، حيث يعيش كل إنسان في حاله وليس له علاقة بما يتعرض له الآخرون.  

ليست الشهامة مجرد مساعدة عابرة، بل هي استعداد فطري لنجدة الملهوف، وإغاثة المحتاج، والوقوف بجانب الضعيف دون انتظار مقابل أو جزاء.

في أزقة الحارات الشعبية الضيقة، وعلى أرصفة المدن، وفي القرى الهادئة في ريف مصر، تتجلى صور الشهامة المصرية في أبهى صورها. يكفي أن تتعطل سيارة في منتصف الطريق حتى يتسابق المارة لتقديم المساعدة، يدفعون من جيوبهم، ويساعدون في تصليح العطل، أو حتى يقدمون الماء والطعام لصاحبها.

وفي المواقف الأكثر صعوبة، كحوادث الطرق أو الحرائق، يضرب المصريون أروع الأمثلة في التضحية والإيثار، حيث يتدافعون لإنقاذ الأرواح والممتلكات غير عابئين بالمخاطر وربما يضحي أحدهم بحياته لإنقاذ حياة شخص آخر.

تتعدد مظاهر الشهامة وتتنوع بتنوع المواقف، ولكنها تشترك جميعًا في جوهر واحد: الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين والرغبة الصادقة في تخفيف معاناتهم. فمن مد يد العون لكبار السن لعبور الطريق، إلى التبرع بالدم للمرضى المحتاجين، وصولًا إلى استضافة الغرباء وتقديم الدعم النفسي والطعام للمرضى والمشردين في الشوارع، كلها مظاهر أصيلة يتصف بها المصريون في مختلف المواقف.

لا تقتصر الشهامة عند المصريين على مساعدة الأفراد فحسب، بل تمتد لتشمل المجتمع ككل. ففي أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، يتكاتف المصريون ويتحدون لتقديم الدعم للمتضررين. تفتح البيوت أبوابها للمحتاجين، وتُقام حملات التبرع لجمع الغذاء والدواء والملابس، وتتجسد روح التكافل الاجتماعي في أبهى صورها.

ويرى علماء الاجتماع أن جذور الشهامة في المجتمع المصري تمتد في أعماق التاريخ. فالقيم الدينية والأخلاقية التي نشأ عليها المصريون تحث على الإحسان والتكافل والتعاون. كما أن طبيعة الحياة الاجتماعية المتماسكة، خاصة في الأحياء الشعبية والقرى، تعزز الشعور بالانتماء والمسؤولية المشتركة.

ومع التغيرات المتسارعة في نمط الحياة وظهور تحديات جديدة، يبقى السؤال: هل ما زالت الشهامة تحتفظ بمكانتها في نفوس الأجيال الجديدة؟ الإجابة، لحسن الحظ، تبدو إيجابية. فما زلنا نشاهد يوميًا نماذج مشرقة لشباب مصري يتطوع لمساعدة المحتاجين، وينظم حملات للتوعية بالقضايا المجتمعية، ويبادر بتقديم الدعم للمرضى وكبار السن.

إن الشهامة ليست مجرد سلوك عابر، بل هي جزء أصيل من حياة المصريين، وقيمة متوارثة عبر الأجيال. إنها قوة ناعمة تسهم في تماسك المجتمع وتجاوز الصعاب.

وأنا شخصيا أرى أنه يجب أن يقوم الآباء والأمهات بتربية أطفالهم على الشهامة والجدعنة والإيجابية في المواقف المختلفة، حتى تظل مثل هذه الصفات باقية ومتجددة في المجتمع المصري مهما مر الزمن أو تغيرت الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احدث المواضيع : قلة من الباحثين يمتلكون القدرة على قراءة المجتمع   رحلة الموضة من «الشارلستون» إلى «الباجي والستريت ستايل»   مبادرة «مودة».. دورات تدريبية لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج   كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. “شبابيك” تكشف أحدث طرق الهجرة غير الشرعية   أنهار الدم.. أحمد مجدي يكشف الحقائق الغائبة عن جحيم الثأر   الدارك ويب.. خفايا القاع المظلم للشبكة العنكبوتية   حكايات الرحيل والعودة.. مشوار العمر بين بساطة القرية وضجيج الغربة